خلافا لما يسعى البعض إلى تكريسه من تشكيك في الإنجازات التي تحققت عبر المقطع الزمني الحالي من مسيرة الاستقلال، جاء خطاب رئيس الجمهورية، السيد محمد ولد الشيخ الغزواني، بمناسبة الذكرى ال64 لعيد الاستقلال الوطني، شاملا لأهم المحاور التي استطاعت فيها الدولة، تحت قيادته الحكيمة، خدمة الوطن والمواطن، بدءا بصون البلد من خلال تعزيز لحمته الوطنية والتهدئة السياسية، ومرورا بالتدخلات المتكررة لعبور المجتمع للأزمات التي عصفت بالعالم، وانتهاء بتنفيذ المشاريع الكبرى في مجالات البنى التحتية والتعليم والصحة والقضاء والاقتصاد والطاقة... وغيرها.
لقد طالب خطاب رئيس الجمهورية الجميع، أيا تكن مواقعهم، بأن يجعلواَ أُولىَ أوْلوِياتِهم "صَونَ هذا الوطنِ وتطويرَه وتَنميتَهُ لِيصيرَ على قدرِ آمالِ وطُموحاتِ شعبنا، وفاءً لتضحياتِ مقاومينا ولِجهودِ أجيالِنا التي تَعاقبت على تَشْيِيد صَرْحِ الدولةِ الموريتانية"، مؤكدا أن الوطنَ "أهمْ وأبْقَى مِنا جميعا، وصالِحُهُ العام مُقَدَمُ مطلقا على المصالحِ الشخصيةِ والفِئَويةِ، مهما تَراءَتْ عَظِيمةَ لأصْحابِها".
ولم يفوت فخامته الفرصة دون أن يشيد بدور المقاومة، بِشقيها العسكري والفِكري، التي ضحت بالغالي والنفيس في سبيل نيل الاستقلال، وبحمل القُوات المسلحة وقُوات الأمن مِشْعَلَهم، "فكانت، مُنْذُ نَشأتِها، ولا تَزالُ، دِرعَنا الواقي، وحامي سِيادَتِنا، وكرامةِ شعبِنا".
وفي صدر الخطاب الرئاسي، نالت اللحمة الوطنية حظها من الاهتمام، كما نالت نصيبها من جهود التعزيز خلال مأمورية الرئيس الأولى وما مضى من مأموريته الجديدة.
لقد اكد فخامته أنه "بقدر ما تُعزِزُ الدولة، وحدةَ شعبِها، ولُحمته الاجتماعية، وتَجعلُ من خدمةِ المواطنِ، مِحورَ كل استراتيجياتِها، وغايةَ أنماطِ حَكامتها، بقدر ما تَتَهيأ لها أسبابُ المِنْعَةِ، والتقدمِ والنماء"ِ، موضحا أنه "تأسيسًا على ذلك، ونَظَرًا لِخُطورةِ العواملِ التي تُضعف الانسجامَ الوطنيَ، كالجو السياسي المتشنجِ، وتَجَذُرِ التّراتُبيَّات الوهميةِ والعَصَبياتِ القَبَلية والشّرائِحية، على وحدتِنا الوطنية ولُحمتِنا الاجتماعية، ولِتَنامي ظواهرِ الفقرِ، والغُبنِ، والإقصاء".
لقد كَرّس رئيس الجمهورية عملَه طوالَ مأموريتِه المنصرمة، على محاربة الجو السياسي المتشنجِ، وتَجَذُرِ التّراتُبيَّات الوهميةِ والعَصَبياتِ القَبَلية والشّرائِحية، والتغلُب على آثارِها المجتمعيةِ الهدامةِ، واتخذ من الحوار والتشاور والانفتاح على جميع الفُرقاءِ، أساسًا لِنهجه في تدبير الشأنِ السياسي بل والشأنِ العام عموما، فاستطاع إعادة الساحةَ السياسيةَ، إلى نهج وأسلوب نظامٌ ديمقراطيٌ سليمٌ، يتسِم بحركية الاختلافِ، وتباينِ الآراءِ، والتنافسِ، في إطارٍ من المسؤولية الأخلاقية، والالتزامِ الأدبي، وتَغليب الصالحِ العامِ.
إن هذا النهج التصالحي والمنفتح على الطيف السياسي قد مكن من تنظيم انتخاباتٍ رئاسية، وتشريعية، وجهوية، وبلدية في إجماع تام، على قواعدها وأُسُسِ تسييرها، وهو ما أدى إلى ترسيخ النظام الديمقراطي، وعزز الثقةَ في هيئاته المؤسسية، ووسع قاعدةَ التمثيلِ فيهِ
لتشمل فئةَ ذَوِي الاحتياجاتَ الخاصة، وكذلك فئةَ الشبابِ، التي كانت محور برنامج رئيس الجمهورية خلال مأموريته الجارية.
لم تغب أهمية الانسجام المجتمعي عن خطاب ذكرى الاستقلال لهذه السنة، حيث أوضح رئيس الجمهورية أن الدولة، خلال ما مضى من سنوات حكمه، وقفت في وجه كُل ما من شأنه المَساسُ بِعيشنا المشترك، وانسجامٍنا المجتمعي، بمحاربة الصُّور النّمطيةِ الزائفةِ والعصبياتِ القبلية والشرائحية. وعززت الرابطة العَقَدِيَةَ الجامِعةَ بما حققته من عديد الإنجازاتِ في مجال ترقيةِ الشؤون الإسلامية.
وعلاوة على ذلك عملت الدولة على ترسيخ دولةِ القانون والمؤسسات، وتَعزيز الحرياتِ الفردية والجماعية، وحاربت كافةَ المسلكياتِ التي تُناقض حقوق الإنسان، بتنفيذ الخِطةِ الوطنية لمحاربة الاتجارِ بالأشخاص والعملِ على مُواءمةِ القوانين مع ما صادَقت عليه موريتانيا من معاهدات دولية ذات صِلةٍ.
وفي مجال إصلاح الإدارة ومحاربة الفساد والرشوة، نبه الخطاب إلى ما تم القيام به من تقريبِ خِدْمات الإدارة من المواطن، وتَمكينِه من إجراء معاملاتهِ، واسْتِيفاءِ حقوقِه، بكرامةِ وسلاسة، وعلى أساسِ مُجردِ المواطنةِ.
هذا التوجهَ الإصلاحيَ في الإدارة، دعمته الدولة بمحاربة الفسادِ، والرشوةِ، وسوء التسيير، مع الحرصِ على أن يَتِم ذلك، بنحوٍ مؤسسيٍ نزيهٍ، بعيدٍ عن الشخصنة، وتصفية الحسابات.
ولأن كل ذلك لم يكن ليتحقق ولا ليصان لولا التطبيق الصارم للاستراتيجية الأمنية، فقد عملت الدولة، بتوجيهات صارمة من رئيس الجمهورية، على تنفيذٍ ناجعٍ وفعالٍ، لتلك الاستراتيجية الأمنية المندمجة، وهو ما مكن من صونِ أمن البلد، واستقرارِه في محيط إقليمي مضطرب، وعبر العالم، بسبب العنفٍ، والإرهاب، والنزاعاتٍ المسلحة، التي قوضت دعائمَ الاستقرارِ، وأعاقت التنميةَ، بمختلف أبعادِها، وهددت كيانات الدولِ في الصميم.
ولأن رئيس الجمهورية كان الساهر على امن الوطن والمواطن، والموجه لسياسات الحكومة، فقد انتبه لضرورة انتهاج سياسة خارجية نشطة ومتوازنة لصيانة مكتسبات الأمن الداخلي والخارجي للبلد، ودور الدبلوماسية الحكيمة في ترسيخه وصيانته، فعزز ذلك حضورَ موريتانيا ومكانتَنا إقليميا، ودوليا، من خلال اعتماد قواعدَ حُسنِ الجوارِ، والاحترامِ المتبادلِ، وترقيةِ المصالحِ المشتركة، مع الوقوفِ، بحزمٍ، إلى جانب القضايا العادلةِ، كالقضيةِ الفلسطينية، التي تطابقت فيها المواقف الرسمية والشعبية الداعمة للحق الفلسطيني والرافضة لكافة أشكال العدوان عليه.
ولم يغب موضوع الاقتصاد وما قيم به من أجل تعزيز دوره في رفاه المجتمع، عن الخطاب الرئاسي، حيث تم بناء اقتصادٍ صامدٍ متجه نحو الصعود، وكذلك نال مشروع المدرسةِ الجمهورية نصيبه من الخطاب، فتم التأكيد على ما تحقق من تشييد للبني التحتيةِ التعليمية واكتتاب وتكوين للمدرسين وتوفيرللدَّعاماتِ التربويةِ.
اما في مجال التعليم العالي والمِهني، فتمت مضاعفة الطاقة الاستيعابية بمؤسساته وتَنْويعِ عرضِ التكوينِ بها مع العملِ على مواءمته مع مُتطلباتِ سوقِ العملِ.
ولم تغب الإنجازات التي قيم بها في المجال الصحي عن خطاب الرئيس، حيث عملت الدولة على تَعزيز المنظومة الصحية بتوفير الأدوية وتحسين جودتِها وبالتوسع في اكتتابَ الكوادرِ الطبية بمختلف فئاتها، وتحسينِ ظروفِ عملِها وفي بناءِ وتجهيز البنى التحتية الصحية مِن مستشفياتِ ومراكزَ ونقاطٍ صحية وهو ما مَكنَ من إيصال نسبةِ النفاذِ للخدمات الصحية لِما يناهزُ 80% سنة 2024.
وفي مجال الجهود الجبارة المقام بها من أجل توفير المياه، أوضح الخطاب الجهود الكبيرة المبذولة في إنشاء وتجهيز نقاطِ المياهِ بمختلف الولايات ومَدِ مئات الكيلومترات من الأنابيب ووضعِ آلافِ التوصيلات بشبكات المياه وتقويةِ وتوسيعِ شبكاتِ التوزيعِ مما أوصل نسبةَ الولوجِ إلى الماء الصالحِ للشرب، إلى 78% خلال السنة الجارية.
ونبه خطاب الرئيس إلى دور الاسترتيجيات التي وضعت في المجال الزراعي، وما نُفذ من برامجَ ومشاريعَ على مَدَى السنوات الخمس الماضية، في زيادة المساحات المزروعة بنسبة 33%. فارتفعَ بذلك إجماليُ الإنتاجِ الزراعي 2023 /2024 للموسم الزراعي بنسبة 71%، ووصلت مساهمةُ الزراعة في الناتج الداخلي الخام إلى 5.2% خلال السنة الماضية وحدها.
ولم يهمل خطاب رئيس الجمهورية ما تحقق من إنجازات كبيرة في مجالات الطاقة والبنى التحتية والثروات الحيوانية والسمكية والمعدنية.
كل تلك الحصيلة المشرفة تحقق معظمها خلال مأمورية الرئيس الأولى، رغم المعيقات الخارجية التي اتسمت بها بدايتها، كجائحة كرونا والأزماتِ الأمنية الإقليمية والدولية الحادة وانعكاساتِها المتنوعة الهدامة، والتي لولاها، لكانت، اليومَ، النتائجُ الجيدة التي أحرزناها أفضلُ وأعمقُ أثرًا، كما قال فخامة الرئيس.
المختار ولد خيه