الجاليات الموريتانية في الخارج: قوة ناعمة قادرة على تغيير مستقبل الوطن "ألمانيا مثلا"

تستعد وزارة الشؤون الخارجية لتنظيم المنتدى الأول للجاليات الموريتانية في الخارج مطلع السنة المقبلة في نواكشوط، بمشاركة ممثلين عن الجاليات والمؤسسات الحكومية المعنية بالاستثمار والتنمية. ويأتي هذا الحدث في زمن يتعاظم فيه الدور العالمي للجاليات، وتثبت التجارب الدولية أن الدول التي تستثمر بوعي في أبنائها بالخارج تجني ثماراً اقتصادية وثقافية وسياسية كبيرة.

 

تلعب الجاليات في مختلف البلدان أدواراً استراتيجية من خلال جذب الاستثمارات، ونقل المعرفة والخبرات، وفتح أبواب التعاون الدولي، وتعزيز الصورة الإيجابية للبلد. لكن الأهم من ذلك، أنها تشكّل جسراً تربوياً وثقافياً يربط الأجيال الجديدة بهويتها الإسلامية العربية الشنقيطية المعتدلة، التي تمثّل مصدر فخر لكل موريتاني أينما كان.

 

وكما نجحت الجاليات المغربية والتركية في أن تصبح رافعة اقتصادية وثقافية لبلدانها، يمكن للجاليات الموريتانية أن تلعب الدور نفسه إذا ما أُنشئ إطار مؤسسي واضح للتعاون بينها وبين الدولة.

 

ألمانيا: نموذج فعلي لما يمكن للجالية أن تقدّمه للوطن

بوصفي القنصل الشرفي لموريتانيا في هامبورغ وشمال ألمانيا، ومن خلال تجربتي التي تمتد لثلاثة عقود منذ قدومي إلى ألمانيا، تابعت عن قرب مسار تطور الجالية التي يناهز عددها اليوم ألف شخص موزّعين على مختلف الولايات الألمانية، ويتميّزون بكفاءات عالية في مجالات الإدارة والهندسة والبحث العلمي والطب والاقتصاد.

 

وقد حقّقت الجالية، بالتعاون مع السفارة والقنصلية، خطوات مهمة خلال السنوات الماضية، من أبرزها:

 

لقاءات تعريفية مع كبرى الشركات الألمانية:

نظّمت السفارة والقنصلية سلسلة اجتماعات بين مستثمرين ألمان ومسؤولين موريتانيين، للتعريف بالفرص الواعدة في مجالات:

- الطاقة والغاز

- الهيدروجين الأخضر

- الزراعة والأمن الغذائي

- البنية التحتية والصيد

 

وقد بدأ الاهتمام الألماني المتزايد بموريتانيا يتبلور في مشاريع وخطط تعاون ملموسة.

 

زيارة فخامة رئيس الجمهورية لألمانيا بصفته رئيساً للاتحاد الإفريقي:

كانت زيارة فخامة الرئيس إلى مدينة هامبورغ محطة بارزة أسهمت في تعزيز صورة موريتانيا كدولة صاعدة في مجال الطاقة والتحول الأخضر، ومنحت العلاقات الاقتصادية دفعة قوية.

 

لقاءات رسمية مع وزير الطاقة ورئيسة جهة نواكشوط:

شهدت ألمانيا لقاءات ثرية بين مسؤولين موريتانيين وشركات ألمانية كبرى، وُضعت خلالها أسس لشراكات محتملة في مجالات الطاقة والتنمية الحضرية والبنية التحتية.

 

أكبر وفد اقتصادي ألماني يزور موريتانيا فبراير 2026:

بالتعاون مع الغرفة العربية الألمانية للتجارة والصناعة (GHORFA) و Africa Verein، والغرفة الموريتانية يجري حالياً التحضير لزيارة وفد اقتصادي ألماني كبير إلى موريتانيا، بهدف الاطلاع ميدانياً على الفرص الاستثمارية وبحث شراكات طويلة الأمد. وستكون هذه الزيارة نقلة مهمة في جذب الاستثمارات الألمانية إلى بلادنا.

 

KMVD ركن أساسي في تنظيم الجالية الموريتانية في ألمانيا

تُعد الرابطة الثقافية الموريتانية في ألمانيا (KMVD) من أهم الركائز التنظيمية للجالية. وقد قامت خلال السنوات الماضية بجهود كبيرة، من أبرزها:

- تنظيم لقاءات دورية للطلاب والعائلات الموريتانية،

- الاحتفال سنوياً بعيد الاستقلال والمناسبات الدينية،

- استقبال الطلبة الجدد وإرشادهم ودعمهم اجتماعياً،

- تعزيز التضامن بين أفراد الجالية،

- المشاركة في المناسبات الرسمية ودعم العمل الدبلوماسي

 

وقد ساهمت هذه البرامج في ربط الأجيال الجديدة بثقافتهم وتاريخهم وهويتهم الوطنية، وخلق بيئة اجتماعية متماسكة تعكس صورة مشرّفة لموريتانيا.

 

وأتوجّه بجزيل الشكر إلى الرابطة الثقافية KMVD على جهودهم ومبادراتهم المتواصلة، وإلى طاقم السفارة الموريتانية في برلين على دعمه الدائم للجالية، وإدارة الموريتانيين في الخارج بوزارة الخارجية على تنظيم هذا المنتدى الهام والجولة التعريفية الأخيرة إلى ألمانيا.

 

وقد كان لي شرف استضافة وفد الوزارة في هامبورغ الأسبوع الماضي، والاستماع إلى البرنامج الطموح الذي تعمل عليه الوزارة، والذي يتضمن رؤية استراتيجية بعيدة المدى للعلاقة بين الدولة وجالياتها، من خلال:

- إنشاء مجلس دائم للجاليات،

- تأسيس صندوق استثماري تشارك فيه الجاليات،

- منصة إلكترونية وطنية للتواصل،

- برامج لنقل المعرفة والخبرة،

- تعزيز الدبلوماسية الاقتصادية الحديثة

 

الجاليات الموريتانية ليست مجرد مجموعات تعيش خارج الوطن، بل هي ثروة بشرية واقتصادية وثقافية. وإذا ما أتيحت لها الوسائل والآليات المناسبة، فإنها قادرة على أن تكون رافعة قوية للتنمية والتقدم في موريتانيا.

 

والله الموفق 

بقلم: عبّاد ولد الشيخ المصطفي الشيخ - القنصل الشرفي لموريتانيا في هامبورغ ألمانيا