حدث وتعليق/ مسار تسوية “الإرث الإنساني”.. مقاربة هادئة تُعيد صياغة علاقة الدولة بالضحايا

في خطوة تعكس تجذر مقاربة التهدئة وبناء الثقة التي تبنّتها السلطة التنفيذية خلال السنوات الأخيرة، أكد وزير الثقافة، الناطق باسم الحكومة، الحسين ولد مدو، أن الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني ماضٍ في تسوية جميع الملفات العالقة ذات الطابع الحقوقي، وفي مقدمتها ملف “الإرث الإنساني”، أحد أكثر الملفات حساسية في الذاكرة الوطنية.

إن الحديث عن هذا الملف الشائك ليس مجرّد إحاطة إعلامية، بل تأكيدًا على نضجٍ جديد في منهجية الدولة تجاه معالجة مظالم الماضي.

فقد أكد الوزير أن لجنة متخصصة ظلت تعمل طيلة ثلاث سنوات على هذا الملف، في ما يُعدّ إشارة إلى أن الدولة تتعامل مع القضية بمنطق التدرج، والبحث الميداني، والاستماع المباشر للضحايا، بعيدا عن الضغوط السياسية أو المزايدات.

هذه المدة الزمنية الطويلة ليست مجرد تفصيل إداري، بل تعكس، وفق مراقبين، انتقال التعاطي مع “الإرث الإنساني” من مرحلة الاعتراف إلى مرحلة بلورة حلول نهائية، تستند إلى المعلومات الموثقة، والمشاورات الواسعة، وتقدير حساسية الملف داخل توازنات الوحدة الوطنية.

ما شدّد عليه ولد مدو من كون هذه الإجراءات تأتي ضمن تعهدات الرئيس الغزواني الانتخابية يمنح الملف بعدا سياسيا مؤسسيا، ويخرجه من دائرة المبادرات الظرفية إلى إطار البرامج الحكومية المعلنة.

ومنذ 2019، تبنّت الحكومة خطابا يقوم على تهدئة الساحة الداخلية، وإعادة بناء جسور الثقة بين الدولة والمجتمع، خصوصا في الملفات المرتبطة بالذاكرة الوطنية.

وبالنظر إلى طبيعة التعهدات خلال الحملة الانتخابية، كان واضحا أن ملف الإرث الإنساني يحتل موقعا مركزيا ضمن رؤية الرئيس، باعتباره إحدى القضايا التي لا تستقيم المصالحة الوطنية دون معالجتها.

وترى أوساط حقوقية وسياسية أن تأكيد الحكومة على التشاور “المباشر” مع الضحايا يمثل تطورا مهما في منهجية التعامل مع هذا الملف، حيث انتُقدت في الماضي مقارباتٌ سابقة اعتُبرت شكلية أو غير شاملة.

اليوم، تضع السلطات هذا التشاور في قلب العملية، بما يعزز مقاربة العدالة التصالحية التي تراعي مشاعر الضحايا، وتبحث عن حلول تحفظ كرامتهم وتعترف بمعاناتهم، دون أن تؤدي إلى مزيد من الاستقطاب أو التوظيف السياسي.

وحين يشير الوزير إلى أن التعاطي مع الملف يتم “بدون أية مزايدات”، فهو يلمّح إلى تحدٍ حقيقي واجهته الدولة على مدار السنوات، يتمثل في كيفية معالجة قضية حساسة في مجتمع متنوع، وفي سياق سياسي متحرك، دون الانزلاق إلى محاولات الاستغلال أو التحريض؟

فالحل، وفق ما يبدو من التصريحات، هو الحفاظ على مسار هادئ، مؤسسي، غير دعائي، يتقدم بخطوات مدروسة، تحكمه المعلومات لا الشعارات.

وتُظهر تصريحات الوزير أن الحكومة تعتبر نفسها في المراحل النهائية من معالجة الملف، وأن العمل المتواصل للجنة المختصة ليس سوى توطئة لخطوات قد تعلن لاحقا، ربما تكون ذات طابع رمزي وتعويضي في آن واحد.

وبينما ينتظر الرأي العام التفاصيل، يبدو أن مسار تسوية “الإرث الإنساني” يدخل مرحلة حاسمة، هي مرحلة قد تشكِّل واحدة من أبرز محطات ترميم الذاكرة الوطنية وتعزيز الوحدة في موريتانيا الحديثة.

 

وكالة الوئام الوطني للأنباء

خميس, 04/12/2025 - 16:23