
في خطوة تعكس تحوّلا في المقاربة الحكومية لتخطيط المجال العمراني والصناعي في البلاد، أصدر الوزير الأول المختار ولد اجاي أوامر بتشكيل لجنة فنية متعددة القطاعات مهمتها اقتراح الموقع الأنسب لإقامة منطقة صناعية جديدة في نواكشوط، مع التشديد على ضرورة احترام المعايير البيئية والصحية وتجنب أي آثار سلبية على السكان أو المحيط الطبيعي.
هذه التوجيهات تأتي في سياق وطني يتنامى فيه الوعي بأهمية الاستدامة وضرورة الحدّ من التوسع الصناعي العشوائي الذي طبع فترات سابقة.
الاجتماع الذي عقدته اللجنة الوزارية المكلفة بالملف مثّل أول خطوة عملية في مسار اختيار موقع المنطقة الصناعية الجديدة. وقد تابعت اللجنة عرضا فنيا قدمته وزارة الإسكان والعمران والاستصلاح الترابي، تضمّن جملة من البدائل المقترحة، استندت إلى معايير تقنية دقيقة تشمل حجم التجمعات السكانية القريبة، والتأثيرات البيئية المحتملة، ووجود وتأهيل البنى التحتية الأساسية، فضلا عن القرب من ميناء نواكشوط، وسهولة الولوج والربط الطرقي.
هذا التحليل التقني يشير إلى رغبة السلطات في الانتقال من سياسة «ردّ الفعل» إلى التخطيط الاستباقي، خصوصا في مدينة مثل نواكشوط التي تواجه تحديات هيكلية تتعلق بالتمدد الحضري، وإشكالات الصرف الصحي، ومحدودية الفضاءات الملائمة للأنشطة الصناعية.
اللافت في توجيهات الوزير الأول هو التركيز على ضرورة تجنب أي آثار ضارة على المحيط البيئي أو على السكان. وهذا البعد لم يكن دائما حاضرا بنفس القوة في السياسات التنموية التقليدية، مما يشير إلى أن الحكومة تسعى لتطبيق معايير أكثر حداثة تقوم على تكامل المناطق الصناعية مع النسيج العمراني، وتقليل الانبعاثات والتلوث الصناعي، والتقيد بمعايير الصحة والسلامة المهنية، وتهيئة مناطق بعيدة عن الأحياء السكنية.
هذه المقاربة تلتقي مع التوجهات العالمية نحو «الصناعة النظيفة» والمناطق الصناعية الخضراء، حيث بات الالتزام بالبيئة عاملا حاسما في جذب المستثمرين الدوليين.
وأوضح الإيجاز الصادر عن الوزارة الأولى أن الاجتماع يأتي في إطار توجيهات الرئيس محمد ولد الغزواني الرامية إلى إنشاء مناطق صناعية عصرية تستجيب لمتطلبات التنمية وتعزز مناخ الأعمال وتساهم في خلق فرص العمل.
ويعكس هذا الربط بين القرار التنفيذي والرؤية الرئاسية سعي الحكومة إلى دعم التحول الاقتصادي عبر توفير فضاءات مجهزة للصناعات التحويلية، وتحسين ترتيب موريتانيا في مؤشرات سهولة الأعمال، واستقطاب الاستثمارات الأجنبية، وكذلك خلق وظائف جديدة في الصناعات الصغيرة والمتوسطة.
إن اختيار موقع ملائم لمنطقة صناعية في نواكشوط ليس مجرد قرار تقني، بل هو استثمار استراتيجي طويل المدى لأسباب متعددة، كتعزيز دور نواكشوط كمركز اقتصادي إقليمي بفضل قربها من الميناء وشبكة النقل، وتمكين الاقتصاد الوطني من تنويع الإنتاج بما يتجاوز الخدمات والتجارة نحو الصناعة التحويلية، وخلق توازن جديد في توزيع الأنشطة الاقتصاديةبين أطراف المدينة ومحيطها، وتقليل العشوائية الصناعية التي تسببت لسنوات في تلوث، وضوضاء، وإرباك عمراني.
ويبدو أن الحكومة الموريتانية تتجه نحو إعادة رسم الخارطة الصناعية للعاصمة عبر منهجية أكثر علما وواقعية.
وإذا نجحت اللجنة في تحديد موقع يجمع بين جدوى الاستثمار ومتطلبات الاستدامة، فإن نواكشوط قد تشهد في السنوات القادمة انتقالا نوعيا نحو مناطق صناعية منظمة، تقلّل التلوث وتزيد الإنتاج وتخلق فرص عمل، بما يتوافق مع رؤية رئيس الجمهورية في تعزيز التنمية الاقتصادية.
وكالة الوئام الوطني للأنباء


.gif)
.png)
.jpg)
.gif)

.jpg)

.jpg)