حدث وتعليق/ الخطاب الدبلوماسي الأمريكي.. موريتانيا باتت رقما صعبا في معادلة الساحل والصحراء

لم تكن الإشادة التي وجّهها وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو بدور موريتانيا في استقرار منطقة الساحل مجرد مجاملة دبلوماسية عابرة بمناسبة الذكرى الـ65 لاستقلال البلاد، بل جاءت في سياق دولي وإقليمي معقد، ترتفع فيه أهمية الدول القادرة على الجمع بين الاستقرار السياسي والموقع الجيوسياسي الحساس.

فالساحل اليوم إحدى أكثر المناطق توترا على خارطة الأمن الدولي، والولايات المتحدة تعيد ترتيب أولوياتها فيها بعد التحولات الجارية في مالي والنيجر وبوركينا فاسو.

ومن هنا تكتسب تصريحات روبيو أبعادا تتجاوز إطار التهنئة وتدخل في عمق علاقات استراتيجية آخذة في التطور.

لقد عبّر الوزير الأمريكي عن دور موريتانيا بالقول إنها “تلعب دورا محوريا في دعم الاستقرار بالساحل”، وهو ما اعتبره المراقبون تقديرا متزايدا لسياسة انكفاء موريتانيا عن موجات الانقلابات والصراعات، واعتمادها مقاربة أمنية قائمة على ضبط الحدود، وتطوير القدرات العسكرية، وتعزيز التنسيق الاستخباراتي، فضلا عن محاربة التطرف بمنهج يجمع بين الأمن والتنمية.

هذا الاستقرار الداخلي جعل نواكشوط شريكا يمكن التعويل عليه في منطقة تعاني فراغا أمنيا وارتباكا سياسيا في أكثر من دولة.

وبعد تغير خارطة النفوذ الدولي في الساحل وطرد القوات الغربية من دول مجاورة، تبحث الولايات المتحدة عن شركاء يتمتعون بالشرعية السياسية والقدرة الأمنية. وفي هذا السياق، تبرز موريتانيا باعتبارها آخر دولة مستقرة ضمن منظومة الساحل التقليدية، ومقرا لمجموعة دول الساحل الخمس، وبلدا يحظى بصورة جيدة في ملفات الديمقراطية وحقوق الإنسان مقارنة بجيرانه.

وبذلك تتيح موريتانيا لواشنطن منصة تعاون تشمل مكافحة الإرهاب، مراقبة الحدود، وتأمين الطرق التجارية العابرة للصحراء.

فعندما يقول وزير الخارجية إن بلاده “تقدّر المثال الذي تقدمه موريتانيا في تحقيق الازدهار والسلام في المنطقة”، فهو يربط بين الاستقرار الداخلي والفعالية الإقليمية.

فالإدارة الأمريكية تدرك أن النموذج الموريتاني، رغم التحديات، يمثل بديلا واقعيا للأنماط الانقلابية أو الفوضوية في المحيط الإقليمي.

كما أن تجديد “الصداقة والشراكة” يعزز قناعة واشنطن بأن الاستثمار في موريتانيا، أمنيا واقتصاديا، أقل مخاطرة وأكثر مردودية.

لقد جاءت تصريحات روبيو بالتزامن مع الذكرى الـ65 للاستقلال، باعتبارها توقيتا يعكس رغبة واشنطن في تثبيت الشراكة مع نظام يحظى بقبول شعبي وإقليمي. وفي ظرف إعادة تشكيل التحالفات في الساحل، حيث تبحث الولايات المتحدة عن بدائل بعد تقلص حضورها العسكري في بعض دول المنطقة.

وبذلك، يمكن قراءة الرسالة باعتبارها إعلان دعم سياسي، وربما مقدمة لخطوات عملية في مجال التعاون الأمني والتنموي.

وتعيد التصريحات الأخيرة لوزير الخارجية الأمريكي التأكيد على مسار تعاون يشمل الأمن والدفاع عبر برامج التدريب والتجهيز، والتنمية من خلال مشاريع الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID)، والاستثمارات خصوصا في مجالات الطاقة والغاز الأخضر، وكذلك الحوكمة والإصلاحات التي تدعمها واشنطن منذ سنوات.

وقد تكون المرحلة المقبلة فرصة لإطلاق مشاريع جديدة تتناسب مع موقع موريتانيا كدولة هادئة تشهد نموا اقتصاديا متصاعدا.

وتثبت التصريحات الأمريكية أن موريتانيا باتت رقما صعبا في معادلة الساحل وصحراء غرب إفريقيا، وأن استقرارها السياسي ومقاربتها الأمنية العاقلة جعلتها تحظى بقدر كبير من الثقة الدولية.

كما أن واشنطن، من خلال خطاب روبيو، توجه رسالة مفادها أن الشراكة مع نواكشوط ليست ظرفية، بل مشروع طويل الأمد يعزز حضور الولايات المتحدة في المنطقة ويمنح موريتانيا هامشا أكبر للتحرك إقليميا.

إنها لحظة اعتراف دولي بدور بلد ظل لسنوات يعمل بصمت على حماية حدوده وجيرانه، ويؤسس لسياسة خارجية متوازنة وهادئة… لكنها فعّالة.

 

وكالة الوئام الوطني للأنباء

أحد, 30/11/2025 - 11:01