
تحت عنوان "تداركوا أنفسكم قبل فوات الأوان" نحت الكاتب الناصح الأمين الأستاذ والنقيب محمدن الرباني مقالا جديدا من أنفس ما يمكن أن تطالع حيث يمثل بحق صرخة مشفق على مجتمعه ووطنه ويستحق -لما يحويه من درر نفيسة- أن يعتمد كخارطة طريق للمجتمع الافتراضي بشكل عام والفيسبوكي منه بشكل خاص، وإليكم المقال فالأجدر أن تقرأوه ببصيرتكم لا أبصاركم:
تداركوا أنفسكم قبل فوات الأوان!
كتب الله لنا -ونسأله أن يوفق ويتقبل، ويحسن الخاتمة- أن نكون من ثلة قليلة لا ينظمها ناظم سياسي ولا نقابي ولا فكري، ولا تنسيق، فهي متعددة الخلفيات والمشارب، لكنها تخوض معركة وعي وإصلاح في مجتمع لا يكاد يوجد فيه شيء سالم من الانحراف، والمؤسف انها تتناقص يوما بعد يوم.
في سبيل ذلك تلقى من الحكومات التهميش والمضايقة والتشويه، كما تتحطم على ظهورها أسنة ونبال المصفقين للمفسدين، ومقدسي الرموز السياسية والقبلية والفكرية والدينية.
فالسلطات المتعاقبة جذرت الفساد والاستبداد، وجعلت السبيل الأوحد للاستفادة من الوظائف الحكومية التطبيل والتزمير، ورسخت أن ما تقدم من إنجاز -وإن قل- هو أمر تقرع له الطبول، وتحشر له المدائن، ومن لا يساير في ذلك فهو جامد متحجر، او حاسد حاقد، او ذو أجندة سياسية غامضة..
واغلب الأحزاب ومؤسسات المجتمع المدني مميعة، عاجزة عن القيام بدورها، وأغلب المثقفين انتفاعيون انتهازيون، يهتبلون الفرصة المناسبة للمتاجرة بالموقف. إلى الحد الذي جعل الثقة كبيض الأنوق، تنتظر القارظين لتؤوب بأوبتهما.
ومن عجائب الأمور ان تجد القائمين على مؤسسة جاهلين جهلا مطلقا بالقوانين التي تحكمها وطنيا، وبالاتفاقيات الدولية الأساسية في مجالها، والتي صادقت عليها بلادنا، ومع ذلك يملأون الإعلام صخبا أجوف، لا يمتلكون رؤية، ولا قدرة اقتراحية، ولا يؤمنون بحوار، ومن لا ينتهج نهجهم، فهو المنبطح الخائن، ولعمري للمنبطحون اقوم منهم قيلا، وأهدى سبيلا، وناهيك بذلك تيها وزيغا وعمى.
وهكذا صار المواطن محبطا، فاقد الأمل، لا يرى برقا إلا استيقن انه جهام، ولو رأى قطر الغيث تنهمر، لم يأل جهدا في إقناعك أن ذلك ما هو إلا دموع مآقيه تتحدر كمدا على حاله وحال وطنه البائس.
لم يعد المواطن يصدق ان الدولة قد تقدم خيرا، لقد صار عدميا يرفض كل شيء، ويشك في كل شيء، لا يستيقن إلا من انه لا خير ولا نية حسنة في هذا الوطن. وغدت شائعات الوسائط اوثق المصادر، يرويها العدل المبرز عن مثله، حتى تصل إلى منتهاها الذي يتكشف عند التدقيق غالبا أنه مصدر مجهول أو مصنوع.
اما السلبية والأنانية وتعجل المكاسب، فأضحت أدوء ادواء الشباب منذ فترة، فما إن يلتحق الشاب بالوظيفة حتى يستنفر كل معارفه وكل ما يتاح له من وسائل للتحويل أو التفريغ او هما معا، وحدث ولا حرج عن المبررات الصحية، ومرافقات الوالدين وكذا وكذا ....
وعند الحديث عن ضرورة المعيارية في الاستفادة من مكسب لا يسع عامة المعنيين به آنيا، يكون المعيار الشفاف الموضوعي لدى المرء هو ما ينطبق على وضعه الخاص، وهكذا يحتفي كثير من الشباب بمعيار القرعة، المعلوم أنه لا يكون إلا بين متساوين، يحتفون به لأن حظوظهم فيه واردة، وحين تكون المعايير الأقدمية والحالة العائلية، التي تؤجل استفادتهم لصالح من سبقهم إلى الخدمة والمتاعب، يصبح المكسب مهزلة ومزبلة، ويختلق له من العيوب ما ليس في ديوان الحطيئة ولا ابن الرومي ولا المتنبي !!
وحتى أحكام الدين والفتوى لم تسلم، فاصبحت مميعة هي الأخرى، واتسع خرقها على راقعه.
فالفقيه الذي يشار إليه بالبنان، يفتي في أشد المسائل تعقيدا وعلاقة بسياسة الدولة وبمصالح آلاف البشر، دون الرجوع إلى النصوص المنظمة للموضوع محل الفتوى، ودون سؤال الجهات المختصة، ودون الإحالة إلى المجلس الأعلى للفتوى والمظالم الذي يعلم انه جهة الاختصاص رسميا، وكأنه يفتي في حكم معروف مألوف، لمستفت تعينت فتواه تعين الفرض المضيق، كي لا يقع في المحظور لحظته تلك، وهذا امر ليس من الفقه احرى ان يكون من الورع او المدنية في شيء. وحين ينبه على الخطأ يقيم تلاميذه وانصاره حصنا مسورا بألسنة تقذف العوراء.
أما الذين هم من العلم كهند من العلة في قوله:
تعاللت كي أشجى وما بك علة -- تريدين قتلي قد ظفرت بذلك
فإن ما يقوم به هولاء هو من جنس ما يسميه علماء الأصول "اللعب" على حد قول الشيخ سيد عبد الله بن الحاج إبراهيم:
وغيره الفاسد والبعيد -- وما خلا فلعبا يفيد.
فيا من فيه بقية خير من اهل موريتانيا؛ تداركوا انفسكم قبل فوات الأوان!


.gif)
.png)
.jpg)
.gif)

.jpg)

.jpg)