التعليم والأمن والوحدة الوطنية لإقامة جمهورية المواطنة والمساواة.. رسائل من الحوض الشرقي لكل الوطن/ إسماعيل الرباني*

الوئام الوطني : جسدت زيارة فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني لولاية الحوض الشرقي محطة وطنية فارقة في مسار التفاعل المباشر بين القيادة والمواطنين، حيث لم تقتصر على تفقد المشاريع أو تدشين المنشآت، بل تحولت إلى منبر مفتوح لبث رسائل سياسية ومجتمعية عميقة تتجاوز حدود الولاية إلى كامل التراب الوطني.

ففي مستهل زيارته بمدينة النعمة، أطلق رئيس الجمهورية دعوة صريحة إلى حوار وطني شامل، مؤكدا أن المشاركة الواسعة من مختلف الأطياف السياسية هي السبيل الأمثل لتقوية الجبهة الداخلية.

لقد جاءت هذه الدعوة في توقيت دقيق، يعكس إيمان الرئيس بأن الانسجام الوطني لا يُبنى على الإقصاء، بل على التشاور والانفتاح، وأن الخلاف في الرؤىلا ينبغي أن يتحول إلى صدام أو خصومة سياسية.

ومن خلال تأكيده أنه “لا يرى مبررا لأي صدام بين القوى السياسية”، أعاد فخامته رسم معالم المشهد السياسي الموريتاني على قاعدة الاعتدال والتلاقي، لا على منطق الصراع والاستقطاب.

وفي محطته بمدينة باسكنو، كان محور الأمن والاستقرار الركيزة المركزية في خطابه، حيث شدد على أن “كل شيء يهون في سبيل الأمن”، في رسالة تعبر عن إدراك عميق بأن التنمية لا تزدهر إلا في ظل دولة آمنة ومستقرة.

وفي الوقت ذاته، جاءت إشادته بالقوات المسلحة وقوات الأمن بمثابة تكريس لروح الانضباط والولاء الوطني التي تميز هذه المؤسسات الجمهورية. فالرئيس، وهو القائد الأعلى للقوات المسلحة وقوات الأمن، أراد أن يربط بين استقرار الوطن وتماسك مؤسساته الدفاعية التي “لا قبيلة لها ولا جهة ولا شريحة إلا الوطن”.

ومن أبرز الرسائل التي حملتها الزيارة، تحذير الرئيس الصريح من القبلية والجهوية والشرائحية، واعتبارها ممارسات مدمّرة لمفهوم الدولة الوطنية.

وقد أعلن بوضوح أن لا تسامح بعد اليوم مع أي موظف أو مسؤول يشارك في نشاط قبلي أو جهوي، مؤكدا أن “الانتماء الوطني يجب أن يكون فوق كل اعتبار”.

بهذه العبارات الحازمة، وضع رئيس الجمهورية حدا فاصلا بين الدولة والقبيلة، وأعاد توجيه البوصلة نحو مفهوم المواطنة المتساوية الذي يقوم عليه كيان الدولة الحديثة.

إنها رسالة إلى الجميع، تفيد بأن زمن الولاءات الضيقة قد انتهى، وأن الولاء الأوحد هو للوطن والدولة والقانون.

وفي مدينة عدل بكرو، أعاد فخامة رئيس الجمهورية فتح ملف التعليم من زاوية استراتيجية، مؤكدا أن المدرسة الجمهورية هي المشروع الوطني الجامع، والحل الجذري لكل الفوارق الاجتماعية والاقتصادية.

فقد شدد على أن الشعوب غير المتعلمة يسهل اختراقها وتفكيكها، بينما التعليم هو الضامن لوحدة الوجدان الوطني، ومحو الفوارق الطبقية والشرائحية.

إن حديث الرئيس عن “الهبة الوطنية من أجل المدرسة الجمهورية” يعكس رؤية إصلاحية شاملة، قوامها أن العدالة التعليمية هي أساس العدالة الاجتماعية، وأن المدرسة الموحدة هي الطريق نحو دولة المواطنة والمساواة.

ففي خطبه المختلفة، أوضح الرئيس منهجه في التعاطي مع الشأن العام، وهو منهج يقوم على التدرج والحكمة دون تفريط في هيبة الدولة.

فقد أكد أنه يفضل أن تتقدم الأمور “بالشكل الصحيح وبأقل الأضرار”، لكنه حين تتجاوز الممارسات الحدود، فإن التسامح لن يكون ممكنا.

وهنا تتجلى فلسفة الحكم عند الرئيس الغزواني، باعتبارها مزيجا من الهدوء الاستراتيجي والحزم المؤسسي، حيث تُدار الدولة بالعقل لا بالعاطفة، وبالقانون لا بالمحاباة.

إن زيارة رئيس الجمهورية لولاية الحوض الشرقي لم تكن مجرد نشاط ميداني، بل كانت جولة فكرية وسياسية أعادت طرح سؤال الدولة في وجدان المواطن:

ما معنى المواطنة؟ وما الذي يوحّدنا كموريتانيين؟.

ومن خلال خطاباته في النعمة وانبيكت لحواس وباسكنو وعدل بكرو، قدّم فخامة الرئيس خريطة طريق لبناء الجمهورية الثانية، جمهورية المواطنة والمساواة، التي تتأسس على التعليم والأمن والوحدة الوطنية.

لقد جاءت رسائل الزيارة صريحة وواضحة، تؤكد الحل في الحوار بدل الإقصاء، وأن الوطن فوق القبيلة، والمدرسة الجمهورية فوق كل انتماء، وان الأمن والاستقرار شرط ضروري لكل نهضة.

وبهذه الرؤية المتماسكة، يؤكد فخامة الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني أن مشروع الدولة الوطنية الموريتانية يدخل مرحلة النضج والتثبيت، وأن طريق البناء لا يزال مفتوحا أمام كل من يؤمن بأن الانتماء للوطن هو أسمى القيم.

 

*- المدير الناشر لوكالة الوئام الوطني للأنباء

 

 

ثلاثاء, 11/11/2025 - 16:30