.jpg)
قد تأملت الروايات الواردة في تحديد ليلة القدر، واختلاف العلماء فيها، فوجدت أن حاصل ذلك كله؛ أن رمضان كله ظرف لوقوع ليلة القدر، وأن أرجى أوقاته لها العشر الأواخر، وأن أرجى العشر الأواخر؛ الليالي الوترية، وأن أرجى الليالي الوترية؛ ليلة السابع والعشرين!
وقولنا: (أرجى) لا يمنع وقوعها في غير ليلة السابع والعشرين، ولا في الليالي الشفعية، ولا في سائر الشهر!
والذي أميل إليه - ونص عليه بعض الأكابر - أنها تنتقل في الزمان والمكان، من عام إلى عام، بل في عام واحد، وهذا يعني أنها تتعدد، ومما يدلك على ذلك مسألة اختلاف المطالع، وأن لكل بلد رؤية، فهذا يعني اختلاف الليلة باختلاف المكان، ويلزم منه اختلافها أيضا باختلاف الزمان؛ لوقوعها في مكانين وزمانين مختلفين!
بل جنح بعض العارفين إلى أنها قد تتعدد في حق البلد الواحد، ومن شخص إلى شخص، والدليل على ذلك اختلاف الناس في إخبارهم عنها في البلد الواحد، بحسب ما تراءى لهم من الأمارات، وما وقع لهم من غلبة الظن!
والوقوف عليها على سبيل الجزم؛ لا يحصل إلا لنبي على سبيل المعجزة، أو لولي على سبيل الكرامة!
ومما يدلك على ذلك حديث السيدة عائشة رضي الله عنها: "أرأيتَ إن أدركتُ، أو علمتُ، أو وافقتُ، أو وافقَتْني ليلة القدر..." على اختلاف الروايات، ووجه الدلالة تصدير السؤال ب (إن) التي تفيد الشك في وقوع مدخولها، بخلاف (إذا)!
وحديث السيدة عائشة هذا؛ أصل في جواز معرفة ليلة القدر بعينها، للأنبياء على سبيل المعجزة، وللأولياء على سبيل الكرامة، ولغيرهم بنصب العلامة!
وأما العلامات الواردة فيها؛ فلعلها كانت علامة لليلة بعينها كانت في زمنه صلى الله عليه وسلم، أو لعل ذلك هو الغالب عليها، وإلا فقد يقع رمضان في زمان أو مكان يتعذر معه وجود تلك العلامات!
ومما كتبته قديما في ذلك؛ قولي:
وليلةُ القَدْرِ في الأزمانِ تنتقلُ
وفي المكانِ، فيا بُشْرَى لمن عَقَلوا.
وقد جَنَحْتُ لهذا الرأيِ مجتهدًا
وصحَّ عندي، وأهلُ العلمِ قد نَقلوا.
محمد إبراهيم العشماوي أستاذ الحديث الشريف في الأزهر الشريف
.png)
.jpg)
.jpg)