أعلام ظلمهم المؤرخون.. العلامة الشيخ محمد أحمد بن المختار لَحمد، الملقب أيدَّه (الحلقة الأولى)

العلامة الشيخ محمد أحمد بن المختار لَحمد، الملقب أيده، عالم جليل ضائع الأخبار والتراث بفعل عوامل مختلفة في مقدمتها قلة عناية الناس في منطقته (بين اترارزه ولبراكنه) وحَيِّه خصوصا وفي المنطقة عموما بالتدوين والتاريخ.

 إنه الشيخ محمد أحمد الملقب أيدَّه بن محمذن بن المختار بن أحمد بن تڭدي الحلي التندغي، وأمه كما هو حال أم أبنائه شريفة من أشراف الأقلال "المقدمين"، كان سيدا كريما من سادات قومه المذكورين ووجوههم المعدودين وعلمائهم الربانيين، عاش بين القرنين الثاني عشر والثالث عشر الهجريين..

لا يُعرف الشيء الكثير عن بدايات دراسة الشيخ الأولى في حيه ولا عن شيوخه ومن اتصل بهم بعد ذلك في أطواره المتقدمة من طلبه للعلم، لكن سعيه الحثيث لكسب العلم وتحصيل أنواع المعارف قاده خارج محيطه الضيق إلى طَرْق أعتاب محظرة آل حبيب الله الذائعة الصيت المعروفة بمحظرة "الصفراء والكحلاء"؛ فدرس على مؤسسها العلامة حبيب الله بن القاظي بن ديده الإجيجبي )ت. 1240هـ/ 1825م)، وربما أخذ أيضا عن ابنه وخليفته الفقيه المشهور محمد محمود (ت. 1277هـ) صاحب شرح معين والده حبيب الله وهو طرة على مختصر الشيخ خليل، وبعدما قضى الشيخ أيدَّه وطره من علوم الشرع واللغة وما تعلق بها من علوم المحظرة التقليدية تاقت نفسه إلى علوم التربية والتزكية فأخذ التصوف عن الشيخ القاضي بن الحاج ألفغ الإجيجبي)ت. 1241هـ/ 1825م).

تصدر الشيخ بعد رجوعه إلى ربوع قومه للتدريس والفتيا والدعوة والإرشاد فأقبل عليه الناس وانتفعوا بعلمه وحكمته وكان أبرز الآخذين عنه والمتصدرين على يديه العلامة الشيخ محمد عبد لرحمن بن محمود بن الرباني المعروف اختصارا بالشيخ محمد بن الرباني (ت. 1315هـ/ 1897م)، الذي ظل تعلقه بشيخه الأول ووفاؤه له لازمة ترافقه أينما حل وارتحل، ومن مظاهر ذلك الوفاء تسميته أحد أكبر أبنائه باسمه، ومنه ما أورده المؤرخ هارون بن الشيخ سيديّ في كتابه الأخبار من أن وفدا من تندغه وفد على الشيخ سيديّ في شأن نزاع اجتماعي مع إحدى المجموعات المجاورة وكان الشيخ محمد هو الناطق باسم الوفد التندغي فأخذ في سرد حجج قومه وأدلتهم وإبطال دعاوى خصومهم على مسامع الشيخ سيديّ المحكَّم بين طرفي النزاع، وما إن أنهى الشيخ محمد مرافعته حتى بادره الشيخ سيديّ وقد أخذ منه الإعجاب مأخذه سائلا، من شيخك؟ فأجابه: شيخي الشيخ محمد أحمد بن المختار بن أحمد - وكان وقتها على الأرجح قد انتقل إلى الرفيق الأعلى- فقال له الشيخ سيدي: إن أتيتمونا زدناكم، فكان ذلك أول اتصال بين الشيخين الشيخ سيديّ والشيخ محمد.

عاش الشيخ محمد أحمد أكثر أيام حياته في مرابع قومه في الحدود الفاصلة ما بين إمارتي الترارزة ولبراكنه وكان لمنطقة آمشتيل تحديدا الواقعة شمال شرق أبي تلميت نصيب الأسد من إقامة القوم وانتجاعهم، وفي هذه الربوع التي كانت شاهدة على أغلب محطات حياة الشيخ عاش آخر أيامه، وفي أحد أعوام العقد السادس أو السابع من القرن الهجري الثالث عشر اختاره الله إلى جواره، ليدفن حسب بعض الروايات في مقبرة "انواتيل" الشهيرة، الواقعة على بعد 15 كلم شرق قرية علب آدرس، فرحمة الله ورضوانه عليه وعلى سَلفه الطاهر وخلَفه الطيب. 

لم يصمد من تراث الشيخ وآثاره أمام عاديات الزمان وإهمال الباحثين وأولي الاختصاص؛ إلا روايات شفهية متناثرة؛ وقليلا من الفتاوى والأخبار المحدودة في بعض مؤلفات مريده الأشهر الشيخ محمد السابق الذكر، مثل ما أورده في كتابه "حل القفل بالمفتاح في عفاف ابنة عبد الفتاح"؛ عند قوله:

(وقال في صحة لحوق ابنة آفشال أيضا الشيخ محمد أحمد بن محمذن بن المختار التندغي في رائيته بعد طول:

فلْينظرنْ قول القَرافِي أولا *** فلـــه بها الإطنــاب والإكثار 

والشاهد المنبوذ يكفي عنده *** فيهــا كمــا تكفي بها الكفـــار          

ولينظرن قول الثلاثة بعده *** فلهـــم أتى بلحــوقها إظهــار  

إذ سلم البناني قولهمُ وهم *** إخوان صدق في الهدى أنصار.)

 

سبت, 23/03/2024 - 22:36