افتتاحية/ مقابلة "لوفيغارو" مع رئيس الجمهورية.. نضج سياسي ووعي بحجم التحديات

كشفت مقابلة رئيس الجمهورية، السيد محمد ولد الشيخ الغزواني، مع صحيفة "لوفيغارو" الفرنسية العريقة، عن نضج سياسي كبير، وعن وعي ورؤى ثاقبة للتحديات الإقليمية والدولية، وعن خبرة وتجربة في مجال العمل الدبلوماسي.

فقد رفض ولد الشيخ الغزواني وصف إنهاء الوجود الفرنسي في النيجر بالفاشل، أو بأنه يمثل فشلا أو إهانة لفرنسا، مكتفيا بالقول إن انسحابها كان قرارا صائبا.

وفي ذات السياق أوضح موقف نظامه المؤسس على قناعاته الديمقراطية، وذلك من خلال إبراز إدانة نواكشوط للانقلاب في النيجر، كما دانت كل الانقلابات التي سبقته في منطقة الساحل، بحسب تعبير الرئيس.

وحول سؤال يتعلق بمدى استعداد موريتانيا لاستضافة القوات الفرنسية المنسحبة من النيجر، أجاب رئيس الجمهورية بذكاء شديد، ممسكا حبل الجواب من وسطه، دون أن يتعهد بقبول وجود فرنسي على أرض بلده، أو أن يرفضه بشكل غير لائق للاجابة على فرضية قد لا تكون مطروحة في المستقبل، فقال بالحرف الواحد: "لا أرى أن موريتانيا، تمثل استراتيجيا أو جغرافيا البلد الأفضل لاستضافة قوات خصصت لمحاربة الإرهاب في منطقة الساحل".

وأضاف: "إن عمل قوات مخصصة في جهاز كهذا يهدف لمكافحة الإرهاب، يكون منطقيا أكثر من بلد يقع أكثر في المركز أو بالقرب من ميدان التدخل. ثم إن موريتانيا لم تشهد أي هجوم إرهابي على أراضيها منذ سنة 2011، ولا شك أن حاجتها إلى مساعدة قوة متعددة الجنسيات أصبحت أقل".

وكدليل على اهتمامه بما يجري في المنطقة، وانسجاما مع قناعته بالشرعية الدستورية، وانطلاقا من مسؤولياته كرئيس لمجموعة دول الساحل الخمس G5.. كشف ولد الشيخ الغزواني عن وجود اتصالات هاتفية، يجريها من وقت لآخر، مع الرئيس النيجري المخلوع محمد بازوم، للاطمئنان على صحته، ومتابعة ظروفه المعيشية، والتي وصفها الرئيس الغزواني بالقول إنها ليست جيدة. 

لقد أكد رئيس الجمهورية أن مجموعة دول الساحل الخمس لم تمت، مشيرا إلى أنها لم تقم لأجل مصالح خاصة للأنظمة التي تقودها، بل إنها تعتبر ضرورة للمنطقة والإقليم ولخدمة السلم الدولي، باعتبار أن الأسباب التي تقف وراء إنشائها (مكافحة الإرهاب والجهود المشتركة من أجل التنمية) ما تزال قائمة، ولا تزال تحدياتنا المشتركة قائمة، بحسب تعبيره.

وأضاف: "من واجبنا جميعا أن نحافظ على هذه المنظمة باعتبارها إنجازا جيوسياسيا واستراتيجيا كبيرا في خدمة السلام وتنمية شعوب الساحل. كما أنها حصن ضد الانغلاق على الذات وعودة الطائفية".

وحول تواجد ميليشيات فاغنر في بعض دول الساحل، حافظ رئيس الجمهورية على أسلوبه الدبلوماسي الرزين، الذي يقدم جزءا من الجواب المبني على الواقع المر، ويبقي الباب مواربا أمام تفهم التعاون والتنسيق بين الأنظمة، فقال إن هناك ضجيجا حول وجود فاغنر في مالي، "ومع ذلك نسمع أيضًا الصوت الرسمي لمالي الذي يتحدث عن تعاون بشكل مباشر مع الدولة الروسية".

لكن الجواب لم يخل من صراحة تقدم الواقع كما هو، فكان تأكيد ولد الشيخ الغزواني بأن "الوضع الحالي في الساحل ليس جيداً، بل هو سيئ للغاية. فجميع الدول بما فيها بلادنا تتعرض للضغط. ففي الوقت الذي تكثف فيه الجماعات الارهابية أنشطتها، تخلو المنطقة من تواجد قوات برخان الفرنسية وبعثة مينوسما الأممية".

وحول تنامي المشاعر المعادية لفرنسا في إفريقيا، كانت العقلانية والتحليل والواقعية ودروس التاريخ، حاضرة بقوة في جواب رئيس الجمهورية، الذي أكد سماعه "لنزعة شعبوية حادة لا تقتصر على أفريقيا، ولكن يتم التعبير عنها في كل مكان على هذا الكوكب، مؤكدا أن هذه الشعبوية، التي لا يستطيع أحد السيطرة عليها، تشهد تضخيما إلى حد كبير عبر شبكات التواصل الاجتماعي".

وأضاف: "أما بالنسبة للمشاعر المعادية لفرنسا، ففي رأيي، بالمعنى الدقيق للكلمة، لا توجد مشاعر مناهضة لفرنسا. أفضل أن أتحدث عن سوء تفاهم مرحلي، كما هو الحال أحيانا بين الأصدقاء القدامى، وأفسر ذلك بالانتظارات التي أعتبرها مفرطة لدى بعض السكان الأفارقة تجاه دولة صديقة تاريخيا. وبطبيعة الحال، فإن الماضي لا يمر دائما، ولكن في رأيي أن أفريقيا كانت تنتظر الكثير من فرنسا. ومن ثم، لنكن حذرين، هناك، في الوقت نفسه، استياء في الراي العام الأفريقي بشأن نوعية إدارة الشؤون العامة من حيث الحكم والديمقراطية في بلداننا"، نافيا بأن يكون هذا الشعور المزعوم "المعادي لفرنسا" قد ظهر في موريتانيا، لأن الاحترام والصداقة كانا دائما يحكمان العلاقات بين فرنسا وبلدي، على حد قوله.

وبشأن المهاجرين الذين يصلون موريتانيا من دول جنوب الصحراء الكبرى، كشفت إجابة رئيس الجمهورية عن إدراك تام لعدم الخلط بين من هاجروا بسبق إصرار وترصد وعيونهم على ما وراء البحار والمحيطات، وبين من اضطرتهم ظروف الحرب على النزوح والبحث عن الأمن والعيش الكريم خارج ديارهم.. وكيف تتصدى موريتانيا للصنف الأول من المهاجرين، وتتلقى بصدر رحب للصنف الثاني. 

أما السؤال الأكثر إلحاحا لدى الرأي العام الغربي، والفرنسي تحديدا، فهو عن مستقبل ولد الشيخ الغزواني في السلطة، باعتباره الرجل الوحيد في منطقة الساحل والصحراء الذي استطاع تجنيب بلده مخاطر الإرهاب والانقلابات والتدخلات الخارجية، وعبر ببلده جائحة كورونا وتداعيات الحرب الروسية على أوكرانيا، وجند شعبه للوقوف خلفه ودعمه في مختلف الازمات التي تمر بها منطقته والعالم، وأقنع طيفا واسعا من المعارضة بدعمه في رسم خارطة المستقبل الآمن لبلده وسط الأمواج العاتية.. فكان السؤال الملح يدور حول نيته الترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة، لكن جوابه جاء منسجما مع مبادئه الديمقراطية، ومع طريقة وصوله للحكم، فأرجع ترشحه من عدمه لإرادة الأغلبية الداعمة له وللشعب الذي زكى برنامجه الانتخابي قبل أربع سنوات.

 

وكالة الوئام الوطني للأنباء

 

سبت, 30/09/2023 - 17:34