الجاثوم بين الخرافة والواقع

جاء في كتاب لسان العرب لابن منظور: الجاثوم هو الكابوس الذي يجثم على صدر النائم بالليل وقال بعض اللغويين إنه يدعى الباروك (من فعل يبرك).. وقال عنه ابن سينا: يسمى الخانق والجاثوم والنيدلان، وهو خيال ثقيل يقع فوق صدر النائم ويمنع حركته وهو مقدمة للصرع أو السكتة. وفي المقابل يعتقد العامة أن الجاثوم شيطان يخنق النيام، أو جني يسلطه السحرة، أو ملك يرسل لأخذ أرواح النيام. ولكن الحقيقة هي أن الجاثوم (شلل لا إرادي) يحدث أثناء النوم ويمنع صاحبه من الكلام وتحريك جسده وأطرافه.. ومن أسبابه الحقيقية استيقاظ النائم خلال فترة الأحلام التي تكون فيها عضلاته مشلولة ومخدرة بالكامل.. ورغم أن الشلل ذاته أمر طبيعي (كي لا ينفذ النائم الأحداث التي يراها في الحلم) ولكن في حال فتح عينيه أثناء حلمه بالكوابيس (وكان جسده مايزال مخدرا بالكامل) يخيل إليه أنه يرى أحداثاً حقيقية وشياطين تجثم على صدره بسبب عجزه عن الحركة.

والحقيقة هي أن شعوبا كثيرة تعتقد أن الجاثوم كائن شرير يسرق أرواح الناس أثناء نومهم.. ففي لاوس وفيتنام مثلاً يؤمن الناس بأن الوفيات التي تحدث أثناء النوم تحدث بسبب شيطانة تسرق الأرواح تدعى “تسوب”، وفي حال كان المتوفى شاباً وسيماً تدعى “داب تسوام” أو روح امرأة غيورة.. وكان الأطباء قد لاحظوا ارتفاع حالات الوفاة أثناء النوم بين شباب الهامونج اللاجئين إلى أميركا (وهي قبيلة تنتشر في فيتنام ولاوس كانت محالفة لأميركا خلال حرب فيتنام).. وفي حين كان الهامونج على قناعة بأنها روح امرأة غيورة تخطف أرواح الشباب كي تقترن بها في العالم الآخر، رأى الأطباء النفسيون أن هذه الوفيات تحدث بسبب كوابيس شديدة نجمت عن ذكريات الحرب لدى من كانوا أطفالاً في ذلك الوقت لدرجة توقف قلوبهم عن العمل أثناء النوم . توجد تفسيرات مختلفة حول العالم لهذه الهلاوس، التي غالبًا ما تنطوي على رؤية واستشعار أشباح تتسلل إلى غرفة نومك. ففي مصر، يذهب الاعتقاد السائد إلى أن شلل النوم سببه الجن (“الجني”)، وهو مخلوق خارق للطبيعة يروّع ضحاياه وأحيانا يقتلهم. وفي إيطاليا، يفسّر البعض ظاهرة شلل النوم بأنها اعتداء من كيان يُطلق عليه “باندافيكي” Pandafeche، وهو شبح يظهر في صورة ساحرة شريرة أو قطة عملاقة مثيرة للرعب. وفي جنوب إفريقيا، يعتقد السكان الأصليون أن هذه الحالة ترجع إلى( “سيجاتي ليلو” segatelelo السحر الأسود)، الذي يؤدي إلى 

ظهور مخلوقات مخيفة تشبه الأقزام وتُسمي “توكولوشي” tokoloshe. أما في تركيا، فترجع الظاهرة إلى “كاراباسان” karabasan، وهي مخلوقات غامضة تشبه الأرواح. وفي المقابل، يقدم الدنماركيون تفسيرا أكثر واقعية: فهم يُرجعون ظاهرة شلل النوم أساسا إلى عوامل خطر فسيولوجية، كالتوتر. ويمكن أن تؤثر هذه التفسيرات -العلمية والمروّجة للإثارة- تأثيرا عميقا على كيفية تعرض الأشخاص لظاهرة شلل النوم. فعند إجراء مقارنة مباشرة بين مصر والدنمارك، نجد أن المصريين يخافون هذه الظاهرة أكثر مما يخافها الدنماركيون بكثير. ففي الواقع، أكثر من 50% من المصريين الذين تعرضوا لهذه الحالة كانوا على قناعة بأن شلل النوم يفضي إلى الموت.

سبت, 04/03/2023 - 06:56