رُب ضارة نافعة: كورونا هو السبب على ما يبدو في غزارة الأمطار واتساع رقعتها خلال موسم 2022

 

تستند فكرة محتوى هذا المقال على قناعة لدى كاتبه تتجسد في قدرة كورونا على الانتقال عبر الجو وهي القناعة التي عبَر عنها من خلال مقالين سابقين تم تحرير الأول منهما بتاريخ 27/08/2020 تحت عنوان: «مسؤولية الجو عن نقل وتفشي كورونا في العالم» ونُشر في موقعي الوئام المدني وتابرنكوت الإلكترونيين. 

وتم تحرير المقال الثاني بتاريخ 25/12/2020 تحت عنوان: «الرطوبة كسبب في إسقاط كورونا من الجو وبالأخص خلال فترة البرد» ونُشر في موقع موريتانيا الآن الإلكتروني إضافة إلى نشره في الموقعين الإلكترونيين الآنفي الذكر.

يُجمع علماءُ الرصد الجوي والمختصون في مجال تشكل الأمطار على أن إنتاج المطر لا بد أن يمر بالمرحلتين الرئيسيتين التاليتين:

1- مرحلة صعود بخار الماء في الجو:

وهي المرحلة التي يتبخر خلالها جزء من المياه الموجودة على سطح الأرض سواء كان هذا البخار متأتيا من المسطحات المائية أو الجداول أو الأنهار أو البحار أو المحيطات أو كان متأتيا من الغطاء النباتي أو من جميع الأجسام التي تحتوي على ماء. 

ومن أجل أن تكتمل هذه المرحلة و يتم الوصول إلى المرحلة الثانية المتمثلة في مرحلة تشكل قطرات ماء المطر في طبقات مرتفعة من الجو، لا بد من تضافر عاملين متكاملين هما حركة التيارات الهوائية وارتفاع درجة الحرارة الناتج عن أشعة الشمس.

حيث تعمل حركة التيارات الهوائية على اقتلاع بخار الماء من مصادر المياه الموجودة على سطح الأرض أما ارتفاع درجة الحرارة الذي تتسبب فيه أشعة الشمس فيتولى المسؤولية عن تسخين الجو الذي يحتوي على بخار الماء المُقتلع وكلما زاد هذا التسخين كلما زاد تبعا لذلك صعود بخار الماء إلى ارتفاع أعلى. 

ولتوضيح علاقة التكامل بين هذين العاملين: وُجد أنه في حالة حركة التيارات الهوائية التي تتم في ظل انخفاض درجة الحرارة مع غياب أو شبه غياب لأشعة الشمس يتم اقتلاع بخار الماء من مصادره المذكورة لكن هذا البخار المُقتلع لا يمكن أن يرتفع كثيرا إلى مستوى الارتفاع الذي يتشكل فيه المطر، وينطبق هذا الحال على الضباب الذي هو عبارة عن بخار ماء في شكل سحابة جاثمة على سطح الأرض أو كذلك الرطوبة التي هي عبارة عن بخار ماء في شكل سحابة توجد على مستوى ارتفاع منخفض فوق سطح الأرض. أما في حالة سطوع أشعة الشمس على منطقة جوها لا يحتوي على بخار ماء فإن ذلك سيتسبب بطبيعة الحال في صعود هذا الجو الحار لكن من دون أن يكون هنالك احتمال تشكل المطر لأن هذا الجو سيكون عقيما أي لا يحتوي على سُحب ماطرة.

وبالتالي نرى أنه لا بد من تحقيق اجتماع العاملين المذكورين أعلاه حتى يتم ضمان صعود بخار الماء و الوصول إلى المرحلة الثانية. 

ومن المعروف علميا أنه مع زيادة الارتفاع في الجو تتناقص درجة الحرارة، لكن بخار الماء الذي انخفضت درجة حرارته ووصل إلى درجة التشبع سيبقى على حاله تلك و لن يستطيع أن يتجه نحو الأسفل مادام كذلك لأنه عبارة عن غاز على شكل بخار ماء قطرات مائه صغيرة جدا وخفيفة جدا ولا تمتلك من الكثافة ما يجعلها تسقط على الأرض كما أن الظروف نفسها التي تسببت في صعود هذا البخار سوف تحول دون عودته إلى الأرض حيث كلما حاولت جزيئات الماء المكونة له السقوط إلا واصطدمت بجو حار يقوم بدفعها نحو الأعلى وبالتالي تبقى السحب معلقة في الجو في وضع توازن من دون أن تسقط على الأرض بالرغم من الثقل الكبير لوزن كمية الماء الإجمالية الموجودة بداخلها.

2- مرحلة تشكل قطرات الماء المُكونة للمطر:

لا يمكن أبدا، حسب الخبراء، أن يُنتج الجو المشبع ببخار الماء بعد ارتفاعه إلى المستوى اللازم مطرا ما لم يتدخل عامل خارجي يُحقق شرطا يطلق عليه العلماء اسم: تكثيف بخار الماء الذي سيسمح بتبلور قطرات ماء المطر واتخاذها الشكل الهندسي الكروي النهائي. 

ومن العجيب جدا أنه على الرغم من اكتمال المرحلة الأولى المذكورة أعلاه، فإنه يبقى من غير المعروف سوى لدى علماء الرصد الجوي والمتخصصين في علم السحب الماطرة أو حتى لدى من يقودهم فضولهم العلمي إلى الاطلاع على نتائج الدراسات التي توصَل إليها هؤلاء العلماء والمتخصصون، أنه لا بُد حتمًا من توفر عنصر غريب على مكونات الجو المشبع ببخار الماء المُشكل للسحب وذلك حتى يحصل في نهاية المطاف هطل للمطر. فما هذا العنصر اللازم لهطل الأمطار؟

لقد وجد العلماء أن هذا العنصر الحاسم الذي لا بد أن يدخل على الخط ضمن مسار تشكل الأمطار هو عبارة عن مجموعة متنوعة جدا من الجسيمات الصغيرة التي تتناثر في الجو بفعل حركة الرياح، ويمكن أن نورد هنا على سبيل المثال لا الحصر حسب ما ذكره علماء الرصد الجوي التشكيلة التالية من هذه الجسيمات الصغيرة: حصى الغبار الرملي، جسيمات الملح الصغيرة العالقة بمياه البحار والمحيطات عند تبخرها، غبار بقايا المواد العضوية، غبار الكربون المتأتي من التلوث، المواد المتأتية من الاحتراق (السخام، القطران، إلخ)، الجسيمات المعدنية التي تحُتها عوامل التعرية من الجبال والهضاب ثم تذروها الرياح في الجو، ناتج التفاعلات الكيميائية الجافة أو الرطبة في الجو (مثل اكلوريد الأمنيوم)، وحتى الجسيمان المتأتية من رماد البراكين....... إلخ.

ولكن ما الدور الذي يقوم به هذا العنصر حتى يتسبب في تشكل المطر وهطله؟ يطلق العلماء على هذا العنصر الحاسم الذي تجسده الجسيمات المتناثرة في الجو اسم: أنوية تكثيف بخار الماء أي أنها الأنوية التي يكون وجودها ضروريا داخل السحب حتى يتكثف حولها بخار الماء على شكل قطرات ماء كروية الشكل. وقد وجد الباحثون أن التكثيف الذي تقوم به هذه الأنوية تزيد فعاليته كلما كانت قدرة أنوية التكثيف على التفاعل الفيزيائي أو الكيميائي مع الماء أكبر (كذوبان الأملاح في الماء أو القدرة على بناء روابط كيميائية معه). وتطبيقاً لحقيقة التكثيف االعلمية المُبهرة هذه لجأ العلم الحديث إلى عمليات الاستمطار الصناعي عن طريق تسيير طائرات تقوم برش السحب ببعض أنواع الأملاح الخاصة حتى تكون بمثابة أنوية تكثيف لبخار الماء الموجود داخل هذه السحب المرشوشة.

وتتم عملية تكثيف بخار الماء هذه عبر آلية يشرحها الفيزيائيون وفقًا للوصف العلمي الرائع الذي نورد ملخصه التالي: عندما تنتشر أنوية التكثيف داخل بخار الماء يختل توازن قيمة الطاقة داخل هذا الخليط حيث تكون قيمة الطاقة في موضع تماس كل نواة تكثيف مع ما يلامسها من بخار الماء كبيرة مقارنة مع قيمة الطاقة داخل كل من الجسمين المتلامسين وبما أن جميع الأجسام مجبولة على السعي إلى اتخاذ وضع يحقق لها أكبر توازن ممكن ونظرا إلى أن وضع التوازن المنشود يستدعي أن تكون الطاقة متوازنة ومتساوية في جميع أجزاء الخليط، وبما أن تخفيض طاقة موضع التماس إلى أدنى قيمة ممكنة يتطلب تخفيض قيمة مساحة التماس إلى أدنى قيمة ممكنة، وأخفض قيمة مساحة تماس ممكنة بالنسبة لجسم تتحقق هندسيا عندما يكون هذا الجسم على شكل كروي، لذلك تتولد تلقائيا قوة ميكانيكية يطلق عليها الفيزيائيون اسم: قوة الشد السطحي، وهي القوة التي تقوم بإجبار مُكونات بخار الماء على تغيير شكلها الهندسي لتصبح قطرات الماء داخل بخار الماء ذات شكل كروي فيتحقق التوازن المنشود حينئذ. وهكذا تعم عملية التكثيف جميع الأجزاء المتداخلة ضمن هذا الوسط الجديد المُشكل للسحابة فتزداد نتيجة لذلك كثافة مكونات السحابة وتصبح قطرات الماء داخلها أثقل من وزن الهواء الحاضن لها بعد أن كان بخار الماء الذي يعتبر غازا أخفض وزنا من وزن الهواء المحيط به ونتيجة لذلك يصبح الجو غير قادر على تحمل ثقل قطرات الماء المتشكلة بعد عملية التكثيف فتتساقط هذه القطرات تحت تأثير وزنها على شكل مطر.

ولو استطعنا أن تنصرف هنا قليلا حتى نصف هذا المشهد البديع لعملية تكثيف بخار الماء داخل السحابة لشبهناه بزُمر متداخلة من النمل الذي يزدحم حول مُكونات فُتات سكر مُتناثر أو رذاذ زبدة مُنتشر.

ولما كانت العلوم النقلية المتمثلة في القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة هي المرجعية الأصلية والحقيقية لجميع العلوم العقلية، فلا يمكن لأي اكتشاف علمي مُجمع على مصداقيته أن يتعارض مع ما دلت عليه أو أشارت إليه هذه العلوم النقلية، ولا غرابة في ذلك فالله تبارك وتعالى هو مصدر العلوم النقلية وهو خالق كل شيء وبالتالي فهو أدرى ممَن سِواه بماهية وغايات ومئالات ما خلق.

لذلك نرى أنه من الإعجاز العلمي أن نجد أن القرآن الكريم قد أشار إلى مرحلتي إنتاج المطر الموصوفتين أعلاه، حيث: 

أ- وردت في القرآن الكريم آيتان كريمتان بخصوص الإشارة إلى المرحلة الأولى في قوله تعالى: اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَاباً فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاء كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفاً فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ )سورة الروم، الآية 48) وقوله تعالى: وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَاباً فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلدٍ مَّيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا كَذَلِكَ النُّشُورُ (سورة فاطر، الآية 9).

وبحسب الأستاذ الدكتور سلامه عبد الهادي عميد كلية علوم الطاقة بجامعة جنوب الوادي ـ أسوان: فإن كلمة تثير من المعجم تأتى بمعناها فى الآية الكريمة، حيث قال الله تعالى في صفة بقرة بني إِسرائيل: تثير الأَرض ولا تسقي الحرث، وذكر المعجم أَثارَ الأَرضَ: قَلَبَها على الحب بعدما فُتحت مرّة، وحكي أَثْوَرَها على التصحيح، ولعلنا نُكرر في لغتنا العربية كلمة أن الريح تثير غباراً، عندما تهب الرياح على أرض صحراوية (انتهى الاستشهاد).

ب- ووردت كذلك في القرآن الكريم آية كريمة دالة على الإشارة إلى المرحلة الثانية من إنتاج المطر في قوله تعالى: وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَواقِحَ فَأَنزَلْنَا مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَآ أَنتُمْ لَهُۥ بِخَازِنِينَ (سورة الحجر، الآية 22).

وقد قال ابن كثير في تفسيره: وقوله: (وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَٰقِحَ) أي: تلقح السحاب فتدر ماء، وتلقح الشجر فتتفتح عن أوراقها وأكمامها .هذه" الرياح "ذكرها بصيغة الجمع؛ ليكون منها الإنتاج، بخلاف الريح العقيم فإنه أفردها، ووصفها بالعقيم، وهو عدم الإنتاج؛ لأنه لا يكون إلا من شيئين فصاعدا، (انتهى الاستشهاد). فسُبحان من قدَّر أسباب نزول المطر وسُبحان من أنزل المطر.

ولكن ما علاقة هذا كله مع ما ذكرنا في العنوان أعلاه من افتراض أن كورونا كان سببا في غزارة الأمطار واتساع رقعتها خلال موسم 2022؟  

الجواب على هذا التساؤل لن يتطلب منا سوى تبرير إلحاق كورونا بقائمة أنوية تكثيف بخار الماء التي تم عرض الحديث عنها أعلاه، وبالاعتماد على إثبات أن كورونا يستطيع التنقل عبر الجو كما دلت عليه من الناحية المنطقية الأدلة والقرائن الواردة في المقالين السابقين المنوه عنهما في بداية هذا المقال، فإن هذا التبرير سوف يكون مستساغا بل إن كورونا سيكون من هذا المنظور من أكثر أنوية التكثيف فاعلية وقدرة على إدرار المطر من السحب بالنظر إلى جملة من الخصائص التي من أبرزها أن كورونا يتميز بالقدرة على التكاثر خلافا لباقي أنواع أنوية التكثيف الأخرى، كما أن الخبراء قد بالغوا في التأكيد على خفة وزنه مما يمنحه القدرة على السباحة في الجو لمدة طويلة قبل أن يتصادف مع ما يمكن أن يُسقطه على الأرض وبالتالي فهو قادر عبْر هذه الخاصية على تغطية مساحات واسعة من الكرة الأرضية في وقت متزامن تبعا لمسارات حركته في الجو التي تُشكل البؤر الكبيرة مصدرا لها وهذه الخاصية يختلف فيها أيضا عن بقية أنوية التكثيف الأخرى التي لا يتم صعودها في الجو إلا بفعل الرياح أما في غياب الرياح فلن تستطيع أن ترتفع كثيرا فوق سطح الأرض نتيجة لثقل وزنها النسبي و عندما تهب الرياح المتسببة في حملها فلن يكون هذا الهبوب متزامنا في جميع بقع العالم بل سيحدث فقط في مواقع محلية مختلفة تكون رقعتها الجغرافية محدودة جدا.

وإنْ نحنُ سلّمنا جدلاً بوجود تناسب طردي بين غزارة الأمطار ووجود حركة نشطة لكورونا في الجو، فهل كانت السنوات الثلاث الماضية (2020، 2021 و 2022) التي عرفت فيها البشرية كورونا كلها سنوات ماطرة ولماذا تميزت سنة 2022 وحدها بغزارة لافتة للأمطار مصحوبة بفيضانات في كثير من بلدان العالم؟

إن الجواب على الشق الأول من هذا التساؤل يبدو واضحا إلى حد كبير وهو أن هذه السنوات الثلاث كانت بالفعل كلها سنوات ماطرة في غالبية بلدان العالم مقارنة مع السنوات التي سبقتها مباشرة.

لكن الجواب على الشق الثاني من هذا التساؤل سيتطلب منا الاستنجاد بتنظير منطقي حول سبب انفراد سنة 2022 بغزارة الأمطار وحدوث فيضانات في العديد من البلدان: حيث يبدو للوهلة الأولى أن السبب في ذلك راجع إلى زيادة في أعداد أنوية تكثيف بخار ماء السحب وهي الأنوية التي تتكون بصفة رئيسية في هذه الحالة من الوحدات المُكونة لكورونا، كما أن هنالك حدثاً ميّز أواخر سنة 2021 وبداية 2022 قد يقودنا إلى ربط علاقة بين ظهور هذا الحدث وهذه الزيادة المفترضة في عدد الوحدات الأساسية المُكونة لكورونا، فما هذا الحدث وما علاقته بغزارة أمطار سنة 2022 ؟

نتذكر جميعا أن أول ظهور لمتحوري كورونا بيتا وأوميكرون كان في أواخر سنة 2021 وبداية سنة 2022، إذن هل توجد على الأرجح احتمالات قد تجعل من ظهور متحورات كورونا سبباً في زيادة أعداد الوحدات المكونة له وبالتالي الزيادة في أنوية التكثيف التي تسببت بدروها في زيادة معدلات التساقطات المطرية خلال سنة 2022؟

يمكن أن يبرز هنا احتمالان رئيسيان يُتصور فيهما مظنة سبب زيادة أعداد كورونا خلال فترة ظهور متحوراته لأول مرة:

- الاحتمال الأول: أن تكون زيادة أعداد الوحدات المُكونة لكورونا ناتجة من وجهة النظر البيولوجية عن زيادة في النشاط البيولوجي لكورونا (زيادة القدرة على التكاثر، أو الانقسام، أو الاستنساخ ....إلخ)،

- الاحتمال الثاني: أن تكون زيادة أعداد الوحدات المكونة لكورونا ناتجة من وجهة النظر الميكانيكية عن تشظي أو تفتت لهذه الوحدات عندما تحولت إلى وحدات ثانوية أكثر عددا وأقل فاعلية من الوحدات الأصلية بسبب كونها ستحتوي على مادة نشطة أقل كمية من المادة الأصلية التي كانت موجودة في وحداتها الأصلية، وبالتالي تكون هذه الوحدات الثانوية هي التي تجسدت في المتحورات التي سمعنا العلماء يتحدثون عن ظهورها.

وبالاعتماد على رصد وتحليل النتائج الميدانية لسلوك كورونا في تلك الفترة يمكننا أن نرجح الاحتمال الثاني على الاحتمال الأول، وذلك لجملة من الأسباب المنطقية أبرزها:

 لو كان الاحتمال الأول هو الراجح لكان لزاما علينا أن نشْهد زيادة في شراسة وخطورة إصابات كورونا في تلك الفترة، وما ساد في ذلك الوقت هو العكس تماما حيث أنه بالرغم من زيادة نسبة الإصابات فقد لاحظنا في نفس الوقت قلة خطورة هذه الإصابات وتناقص نسبة الوفيات الناجمة عن كورونا، إضافة إلى أن الأخصائيين البيولوجيين يشيرون إلى أن الآفات المُمرضة في العادة تكون أكثر فتكا وشراسة خلال بداية ظهورها لا بعد ذلك بفترة طويلة (وفترة سنتين فترة طويلة نسبيا)،

 الاحتمال الثاني تُؤيده حقيقةُ أن الإصابات قد زادت في تلك الفترة بشكل كبير (فعلى مستوى موريتانيا تعدّت الإصابات حاجز 1000 إصابة لأول مرة خلال الأسبوع الأول من يناير 2022) وهذا يمكن تفهمه من الناحية المنطقية على ضوء افتراض أن كل وحدة من الوحدات الأصلية لكرونا قد تحولت بعد تشظيها إلى الكثير من الوحدات الثانوية الأصغر حجما والأكثر عددا والأقل فاعلية وهذا يتطابق مع وصف الأوساط العلمية للمتحورات عندما وصفتها بسرعة الانتشار التي قد لا تعدو كونها تعني عملياً زيادة كبيرة في أعدادها،

 الاحتمال الثاني تُؤيده كذلك حقيقةُ أن خطورة الإصابة بكورونا قد تناقصت كثيرا في تلك الفترة وهذا راجع من الناحية النظرية إلى كون كمية المادة الفعالة المُمرضة قد تناقصت في الوحدات الثانوية نظرا إلى أن نصيب هذه الوحدات الثانوية من هذه المادة قد تناقص بسبب توزيع كمية تلك المادة الفعالة المُمرضة التي كانت موجودة في الوحدة الأم بين جميع الوحدات الثانوية الوليدة، واحتمال تعرض المريض للإصابة بجميع الوحداث الثانوية المتأتية من وحدة أصلية واحدة يبقى شبه معدوم أمام احتمال تعرضه للإصابة بعدة وحدات أصلية في آن واحد وذلك راجع من الناحية الحسابية إلى البوْن الشاسع بين رحابة الفضاء الحاضن للوحدات الوليدة بعد تفرقها في الجو مقارنة مع ضئالة الفضاء الذي كان يحتضن أمهاتها قبل ظهور المتحورات.

وتأسيسا على هذا الطرح يمكننا أن نستنج أن هذا التحول الجذري الذي طرأ على كورونا خلال فترة ظهور متحوراته قد يكون ما زال متواصلا في الوقت الحالي (زيادة تشظي أو تفتت وحداته وتحولها إلى وحدات أصغر حجما) إلى درجة أننا قد نصل على سبيل المثال إلى مرحلة يكون فيها كورونا غير مُمرض وغير محسوس لدى الناس بالرغم من وجوده بكثرة بين ظهرانيهم وذلك نتيجة إلى أن الإصابة به سوف لن يتفطن لها المريض حينئذ بسبب غياب الأعراض الدالة عليه. كما أنه من المحتمل أن يكون هذا التحول هو ما تسبب في كثرة انتشار كورونا في الجو كأنوية تكثيف مما نتج عنه زيادة كبيرة في نسبة تساقط الأمطار والثلوج المسجلة في الكثير من بقاع العالم خلال سنة 2022.

ملاحظات عامة:

 الملاحظة الأولى: اعتمادا على الطرح المبين أعلاه، لا يمكن أن يتسبب كورونا في زيادة معدل التساقطات المطرية في منطقة معينة إلا خلال فصل تساقط هذه الأمطار الخاصة بتلك المنطقة الجغرافية، لأنه خارجا عن فترة هذا الفصل لن تكون هنالك أصلاً سحب ماطرة،

 الملاحظة الثانية: حتى مع تحقق وجود سحب ماطرة وتصادفها مع جحافل كورونا المارة عبر مسار يتقاطع مع مكان وجود هذه السحب الماطرة، فإن احتمال هطل أمطار نتيجة لهذا التصادف يبقى مُرجحا لكنه ليس قطعياً بنسبة مائة في المائة، لأن العلماء يعترفون أنهم لا يستطيعون في الحالة العادية توقع نزول المطر بصفة دقيقة في موضع تتوفر فيه كل المعطيات المُرجحة لهطل الأمطار، وذلك راجع إلى استحالة إخضاع جميع المتغيرات المتحكمة في هطل الأمطار للحساب ولو بواسطة أكثر الحواسيب سرعة وكفاءة ويدللون على ذلك بالعبارة الشهيرة التي تعكس مدى حساسية التغير المناخي: "سقوط كرة مِضرب في البحر الكاريبي يمكن أن ينجر عنه حدوث إعصار في المحيط الهندي"، وكل ما يستطيعون القيام به في هذا الصدد هو مجرد تصور نماذج رقمية تقوم بحساب تطور السحب تبعا للمعطيات الخاصة بتلك السحب وتُعطي نتائج يتم التوقع اعتمادا عليها، وهذا عكسا لما يتوفر على سبيل المثال لدى علماء الفلك بخصوص المعرفة الدقيقة لأوقات وأماكن الخسوف والكسوف نتيجة لاعتماد حسابها على معطيات ثابتة غير متغيرة جعلت الإنسان قادراً على توقع حدوث الخسوف والكسوف بدقة تامة في كل مكان وفي كل زمان.

 الملاحظة الثالثة: من المُرجح جدا أن تكون أعداد وحدات كورونا الكبيرة التي تتصادف مع السحب الماطرة قد انطلقت من البؤر الكبيرة المنتشرة في العالم، وإذا أخذنا بؤرة الهند كنموذج خلال الفصلين الثاني والثالث من سنة 2022 حين كان كورونا نشطا داخل هذه البؤرة، فإننا سنلاحظ زيادة في معدل التساقطات المطرية على امتداد المسار البادئ من الهند والمار بعدة دول آسيوية وإفريقية إلى أن يصل موريتانيا والسنغال في أقصى غرب هذا المسار، حيث تميز هذا الشريط بغزارة كبيرة في التساقطات المطرية، وبالأخص في باكستان وفي السودان، ولكن بدرجة أقل في الهند التي هي مصدر بؤرة كورونا المتسببة في غزارة الأمطار ضمن هذا الحيز الجغرافي، لكن عدم كون الهند نفسها كانت مسرحا لنفس الزيادة الكبيرة في التساقطات المطرية يمكن تبريره من خلال عدم تمكن وحدات كورونا الصاعدة من أراضيها من التفاعل مع السحب الماطرة إلا بعد مُضي وقت تكون فيه خريطة الهند قد انزاحت من تحت هذه السحب نحو الشرق نتيجة لدوارن الأرض وبالتالي تصبح ذروة هذا التأثير الماطر قد أصبحت فوق المناطق الحدودية الغربية للهند: أي باكستان وأفغانسان، أما ما يخص حالة السودان فمن المرجح أن تكون هذه الظاهرة قد تفاقمت بالنسبة لها بسبب زيادة حجم السحب الماطرة في أجوائها بفعل التأثير المشترك لبخار مياه البحر الأحمر ونهر النيل و كذلك بسبب تأثير الجبهة المدارية الناشئة عن الجبهتين الجويتين للمحيط الهندي والبحر الأبيض المتوسط كما يصفها علماء الرصد الجوي.

 الملاحظة الرابعة: أن ما حدث قبل حوالي ثلاثة أسابيع في كينشاسا بالكونغو الديمقراطية من تساقط لأمطار طوفانية تسببت في الكثير من الخسائر البشرة والمادية، يمكن إدراجه في هذا السياق حيث ربما يكون ناتج عن مرور سرب من كورنا فوق الكونغو الديمقراطية تصادف مع بيئة ماطرة أصلا يُجسدها خط الاستواء وتأثير نهر الكونغو، كما أن هذا التأثير الموضعي الحاد لكورونا في بعض الأماكن يُمكن أن يُعزى إليه ما حدث قبل حوالي سنتين بخصوص النفوق الجماعي الغامض لبعض قطعان الماشية، وبعض الطيور والدجاج و الأسماك في مواقع مختلفة من العالم خاصة وأن هذه الحيوانات تعيش في فضاء مفتوح على الجو الخارجي و تكون بالتالي عُرضة للرطوبة المتساقطة أساساً خلال الليل والتي قد يعلقُ بها كورونا وذلك في وقت كان فيه كورونا لا يزال فتيا وقوي البنية وشديد الشراسة.

 الملاحظة الخامسة: لا تعني زيادة أو نقصان معدل التساقطات المطرية في أي زمان أو مكان من العالم زيادةً أو نقصاناً في الكمية الإجمالية الثابتة للماء (المياه الجوفية + المياه السطحية + المياه المتجمدة + مياه السحب) لأن هذه الكمية الإجمالية ثابتة بقدرة الله فلا تستطيع قطرة واحدة من الماء النفوذ إلى الفضاء الخارجي للكرة الأرضية نتيجة لترسانة من القوانين الطبيعية التي أودعها الله في الكون والتي ليس أقلها كون الجاذبية الأرضية تستقطب كل ما يوجد في الغلاف الجوي من الأجسام مهما خف وزنه وكذا تحوَل بخار الماء الصاعد إلى ماء سائل بصفة تدريجية كلما صعد في الجو بفعل برودة طبقات الجو العليا، ويتعلق الأمر هنا فقط بمجرد زيادة أو نقصان للماء في هذا الاتجاه أو ذلك لكن ذلك يحدث ضمن محطات الحلقة المغلقة لأنواع الماء المذكورة أعلاه.

 الملاحظة السادسة: اعتمادًا على كل ما سبق، نستنتج أنه عندما يختفي كورونا من العالم بصفة تامة، فإن ظاهرة غزارة الأمطار المصحوبة بالفيضانات ستتوقف هي الأخرى تبعا لذلك، وذلك على الأقل داخل مساحة منطقة إقليمية شاسعة في وقت متزامن، وذلك لا يعني بطبيعة الحال اختفاء ظاهرة غزارة الأمطار الطبيعية التي كانت موجودة في كل بقاع العالم قبل ظهور كورونا لأن هذه الظاهرة تعتمد على عوامل مناخية محلية خاصة بكل بقعة من تلك البقاع على حدة. كما يُرجح أن تتوالى سنوات من الخصب حتى بعد الاختفاء التام لتأثير كورونا المتسبب في غزارة الأمطار، وذلك لأن ما استجد من المسطحات المائية والغطاء النباتي بفعل هذا التأثير سيستمر في إنتاج سحب تتسبب بدورها في زيادة التساقطات المطرية، خلال فترة ما من الزمن تعقب انتهاء كورونا، وبالتالي ستكون تلك التساقطات أغزر مما كان عليه الحال في العالم قبل ظهور كورونا.

و في الأخير، نتمنى أن يكون الجزء المتبقي من كورونا قد أصبح غير مُمرض وأن يقتصر دورُه فقط على العمل كأنوية تكثيف تُساهم في جلب تساقطات مطرية نافعة لا ضارة.

                                                                 

 والله ولي التوفيق والهادي إلى سواء السبيل.

كتبه ابراهيم اسماعيل أبو مدين

                                                                                        في المكان والتاريخ أعلاه

اثنين, 09/01/2023 - 14:55