ألفه الإعلامي عبد الله محمدي.. القدس العربي تنشر قراءة لكتاب "شهود زمن.. صداقات في دروب الصحافة"

الإعلامي الموريتاني عبد الله محمدي

في كتابه الصادر حديثاً تحت عنوان «شهود زمن.. صداقات في دروب الصحافة» ضمن منشورات المركز الثقافي للكتاب (بيروت/الدار البيضاء) يقدم الكاتب الصحافي الموريتاني عبد الله ولد محمدي شهادات عن صداقات ربطته بصحافيين من بلدان متفرقة عبر العالم. يتضمن الكتاب شهادات عن ستة عشر صحافيا من مختلف القارات، هم: روبرت فيسك، عثمان العمير، عبد الوهاب بدرخان، ساداموري دايجي، قصي صالح الدرويش، كيم أمور، بشير البكر، دومينيك دِردا، سيدي الأمين نياس، سامي كليب، حبيب محفوظ، محمد بوخزار، مِدير بلاندوليت، محمد الأشهب، عبد العزيز الدحماني، وحاتم البطيوي.

 

إلى الصحافيين الشباب

 

يتحدث المؤلف في مُقدمته عن أن الكتاب مُقدّم بالدرجة الأولى إلى الصحافيين الشباب، لأنه يتحدث عن جيل من الصحافيين «آيل للاندثار، ولو أن الروح التي تحركه يجبُ أن تبقى لأنها روح الصحافة، لا يمكنُ أن تغيرها سرعة التكنولوجيا ولا تدفقها العالي، فالقصة هي القصة مهما كان القالب الذي تأتي فيه».

ثم يُخاطب الصحافيين الشباب، ومن يعشقون مهنة الصحافة ويحلمون بممارستها قائلاً: «قطعا ستجدون في مسيرة هذا الجيل من الصحافيين الأفذاذ نموذجاً يحتذى، وقيمة مضافة ستساعدكم في الإمساك بجوهر الصحافة، برسالتها الحقيقية، وكيف تتحول من مجرد تقنيات فنية ميكانيكية إلى مهمة نبيلة ذات طابع إنساني، قادرة على سرد قصة الإنسان، إنها كما يقول روبرت فيسك (وقوف على حافة التاريخ لتقديم شهادة غير متحيزة). تلك هي الصحافة التي يمكن أن نلمسها في سيرة بعض من التقيت بهم طيلة مسيرتي المهنية، أحكي قصة بعضهم في هذا الكتاب».

 

رجال وتجارب

 

تحدث ولد محمدي في بداية كتابه عن الصحافي البريطاني روبرت فيسك، الذي وصفه بأنه «رجل لا يتكرر» وسرد قصة اللقاءات التي جمعتهما في الميدان أثناء حرب الخليج الثانية، وخلال سنوات عشرية الدم في الجزائر، متوقفا عند الطريقة التي عمل بها فيسك، رغم كل الظروف.

وحين تحدث عن الصحافي اللبناني عبد الوهاب بدرخان، اختار له عنوان: «تجربة في الحياة» وهو يتلمس مسار شاب بدأ يدرس الطب وانتهى به المطاف صحافيًا يتحرك وسط الموت لنقل الحقيقة، خلال الحرب الأهلية اللبنانية، ويقول في هذا السياق: «يذكر بدرخان أنه كان يقصد دائماً، مع المصور، المكان الذي يعرف مسبقاً أنه تعرض لقصف ليعاين الأضرار ويسأل سكانه إذا كان هناك جرحى أو قتلى. وازداد الوضع صعوبة يوماً عن يوم، وأصبح الخطر كبيراً، إلى درجة أن قذيفة سقطت خلال متابعته لأحد المؤتمرات الصحافية، بدون أن يعرف كيف بقي بعدها حياً، في وقت أصيب المصور وقُتل السائق الذي كان معهما».

أما حين تحدث عن الصحافي السعودي عثمان العمير فاختار له لقب «الرائي» متحدثاً عن القدرة التي يتمتع بها العمير في استشراف مستقبل الإعلام وقراءة المسارات التي سيسلك، وهو استشراف ناتج عن الخبرة الكبيرة التي تمتع بها خلال عقود من ممارسة الصحافة.

 

أسلوب الكتاب

 

في حالة ولد محمدي، تبقى المفارقة مدخلاً لمزيد من توضيح الرؤية وتقريب الشخصية موضوع الشهادة/البورتريه. كان ذلك جلياً في حديثه عن الصحافي الياباني ساداموري دايجي، الذي استعان به في رحلة البحث عن الجامعات الأهلية في موريتانيا (المحاظر) فكتب عن تلك القصة قائلًا: «استضفته في بلدتي النباغية، وكانت، لحسن الحظ، تستضيف إحدى تلك المحاظر، حيث يوجد طلاب من جنسيات مختلفة. قبل الذهاب إلى المحظرة وبدء الحديث مع الطلاب، جلسنا في بيتي المتواضع نأكل مما تيسر من الضيافة البدوية: اللحم والأرز. اكتشفت أن الياباني يتجنب قطع اللحم ويأكل القليل من الأرز، ربما انسجاما مع ثقافته البوذية. بعد ثلاثة كؤوس من الشاي الأخضر، قال لي ساداموري إن العيش، هنا، يلائم الرهبان البوذيين. ضحكنا من فكرة أن يعيش رهبان بوذيون في أكثر الأماكن تشبثا بالثقافة الإسلامية».

وفي سياق حديثه عن الصحافي السنغالي سيدي الأمين نياس، رصد المؤلف كيف يمكن أن تتلاشى الحدود بين ما هو عربي وافريقي، مستعرضاً قصة ابن المشيخة الصوفية الذي نشأ في السنغال ودرس في مصر، ثم عاد ليؤسس أكبر امبراطورية إعلامية في السنغال: «بعد عقود من نجاح مشروعه الإعلامي، كان يستعيد بكثير من العنفوان تفاصيل البدايات، فيقول إنه بدأ بصحيفة نصف شهرية، تحولت في ما بعد لتكون يومية، لأنها استحوذت على اهتمام رجل الشارع، ثم إذاعة تحولت في ما بعد لعشر محطات إذاعية، ثم تلفزيوناً تحول لشبكة من المحطات التلفزيونية متنوعة الاهتمامات. هكذا كانت تبدأ مشاريعه صغيرة، ثم سرعان ما تنمو وتنتشر. وحين سئل ذات مرة عن السر، قال إن تجربته في الإعلام دارت حول مسألة واحدة، هي أن يمنح صوتاً لمن لا صوت له».

 

السرد الحكائي

 

اعتمد المؤلف في كتابه تقنيات مختلفة للسرد، فيما كانت القصة حاضرة بقوة، نجدها في حديثه عن الصحافي الإسباني كيم أمور الذي استضافه مطلع تسعينيات القرن الماضي في قريته الصغيرة (النباغية) فكتب عن تلك الرحلة: «حين وصل إلى القرية، وقف مصدوما من جمال وبساطة الأشياء، فأعجبته «المنازل ذات الجدران السميكة والنوافذ الصغيرة… البسط المفروشة على الأرض» كان يصطاد كل التفاصيل الصغيرة، وهو ماهرٌ في ذلك مع قدرة فائقة على الوصف والاستنطاق، لكنه يضيف معلقا على إحساسه: «أكثر ما شدني هو الحفاوة والفرح واللطف الكبير الذي غمرني به أهل هذه القرية البعيدة عن موطني، وفي جو مختلف تماماً عن الأجواء التي تعودت عليها وتربيت فيها». كتب الصحافي الإسباني بكثير من الصدق: «هنا وسط الصحراء تولد لدي إحساس بأنني في بيتي». لا أنسى ابتسامته حين أشرتُ إلى قطعة أرضية في القرية، وقلت إنها هدية من أهل القرية أقدمها له، وظل منذ ذلك الوقت لا نلتقي إلا وسأل عنها، معبرا عن رغبته في أن يعود ذات يوم، بحثا عن تلك السكينة والطمأنينة».

يحرص ولد محمدي، في تناوله للشخصيات، موضوع الشهادة – البورتريه، على أن يجعل «الإنساني» منطلقاً ومحركاً للكتابة، كأن نقرأ له، تحت عنوان «محمد الأشهب… المبتسم»: «يجلس الأشهب بعد سيجارة تلو أخرى، ويكتب ثم يكتب بقلمه السيال، وأوراق كيفما كانت: فواتير منتهية الصلاحية أو دفاتر مدرسية. كان يجد الفكرة، يشذبها ويطلقها دون أن يغير سطراً أو يضيف كلمة. ليله طويل لا يحدّه فجر، ومع ذلك كان يجد الوقت للوفاء بالتزاماته المهنية».

 

ولد محمدي

 

سبق أن صدرت للكاتب عدة مؤلفات تتراوح بين الكتابة الإبداعية والتوثيق لتجربة غنية على مستوى مهنة المتاعب، بينها.. «تومبكتو وأخواتها /أطلال مدن الملح ومخطوطات» (2015) رواية «طيور النبع» (2017) «يوميات صحافي بافريقيا/وجوه وانقلابات وحروب» (2017) و»المغرب وافريقيا: رؤية ملك» (2019). كما كانت لولد محمدي مشاركات في كتب جماعية، على غرار «الرسائل المغربية» (2016) و»الرسائل الخليجية» (2021) فضلاً عن مساهمات في حقل الترجمة، ومن ذلك إشرافه على ترجمة مذكرات الرئيس السنغالي ماكي سال «السنغال في القلب» من الفرنسية إلى العربية (2021).

 

أحد, 23/10/2022 - 14:41