نفحات رمضانية...(لا شيء أعلى من التقوى وصحبتها ..إن التقي عزيز حيث ما كان)

الوئام الوطني :

--- لا شيء أعلى من التقوى وصحبتها … إن التقي عزيز حيث ما كان

وقد يقول قائل: ولم كانت التقوى نتيجة من نتائج الصيام دون سائر العبادات؟ والجواب على ذلك: هو أن الصيام ليس كسائر العبادات؛ لأن العبادات لها جوانب شتى تحببها ففي الصلاة مثلا: حلاوة المناجاة، وسعادة القرب من حضرة الرب! وفي الزكاة: إطاعة لأريحية الكرم والجود، وفي الجهاد: عزة الحمية، وإباء الضيم، أما الصيام: فليس فيه معاونة من الطبع على أدائه؛ بل فيه على العكس: مقاومتة ومعاندته، لذا كان أقرب الأعمال الى خلوص النية من الشوائب؛ ومن اجل ذلك قال المولى سبحانه في الحديث القدسي: (كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ الا الصيام فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ)

---[الصوم فيه تدريب على القيادة والسيادة: 

الصوم وإن كان من مظاهره الجوع والعطش والحرمان، فإنه تدريب على السيادة والقيادة: السيادة على النفس؛ والتحكم في أهوائها ونزواتها، وقيادتها إلى ما يصلحها في دنياها، ويعزها في أخراها! وسيادة النفس أرقى أنواع السيادة، وأقسى أنواع المجاهدة، فإذا ما ساد الإنسان نفسه دانت له الدنيا بما فيها ومن فيها، ولم يحل بينه وبين الجنة سوى الموت، يلقى ربه فيفيه بما وعده (إِلَّا الصَّوْمَ فَإِنَّهُ لِي، وَأَنَا أَجْزِي بِهِ) قال الشاعر:

بُشرَى بإسفارِ صَباحِ النّجاح … عَن صَفْحَةِ الصّفحِ وَخَفضِ الجَناح

هَذا افتِتاحُ الصَومِ مُسْتَقبَلاً … عَن اختِتام بِالرّضــــى وافتِتـــــــــاح

والصيام يدرب نفوس الصائمين على الشرف والعفة، ويؤهلها لعمل الخير، ويبعدها عن الشر، فالصائم الخائف من ربه لا يخدع ولا يغش، ولا يظلم، ولا يهضم حقا، ولا يسعى للفساد بين الناس، والصيام يخفف الشهوة التي هي أم المعاصي، ولهذا يقول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: (يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ).

[فوائد الصوم]

ان للصوم منافع جمة وفوائد عظيمة من الناحيتين الاجتماعية والفردية، منها: العطف على المساكين وإكرامهم، لأن الصائم عندما يجوع يتذكر من هذا حاله في عموم الأوقات فيحمله هذا التذكر على رحمة المساكين ومحبتهم والعطف عليهم، فالرحمة تنشؤ في الغالب الأعم عن التذكر والألم، والصيام طريقة عملية لتربية الرحمة في النفس، وتنمية المحبة والألفة والتعاطف، ومتى تحققت رحمة الغني للفقير الجائع وعطفه عليه وإكرامه نشأت المحبة وحدثت الألفة، وأصبحت للكلمة الانسانية الداخليه سلطانها النافذ، فبتوحد الأحاسيس والمشاعر تتوحد الانسانية، وتتجه إلى الفضيلة، والصوم يبعث في النفس الإيثار والكرم ومحبة إطعام الطعام واكرام الفقراء والاحسان الى الناس، وقد روي أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (كان أَجْوَدَ النَّاسِ وَكَانَ أَجْوَدَ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ) ومن فوائد الصوم: المساواة بين الأغنياء والفقراء، فهو نظام عملي من أقوى وأبدع الأنظمة والمبادئ التي جعلها الحق سبحانه وتعالى فريضة إجبارية ليتساوى الجميع في بواطنهم، فهي بمثابة فقر إجباري يراد به إشعار النفس الإنسانية بتساوي الجميع في عبادة الصوم لله وحده، فالجميع يمتنع عن الأكل والشرب والجماع ولغو الحديث، والوحدة الحقيقية هي تلك التي تتم حين يتساوى الناس بالشعور، لا حين يختلفون، وحين يتعاطفون بإحساس الألم الواحد لاحين يتنازعون بالرغبات المتعددة، إن هذا المظهر السامي في الصوم ينير طريق المسلم ويجعل الأمة أكثر تماسكا وأكثر إشراقا وأعظم نوراً إنْ أدركت القلوب معنى تلك العبادة العظيمة. ومن هنا ندرك أن الإسلام بفرضه هذه العبادة يؤسس لاجتماع المسلمين ولقيام وحدتهم التي تقوم على رابطة وحدة الدين والعقيدة ووحدة المبادئ الخلقية والعبادات التي تشعر بوحدة المسلمين واتحاد الموحدين، فقيام المجتمع الاسلامي على مبادئ الفضيلة والأخلاق هو أمثل الطرق لتكوين الجماعات الدولية، ولا يعد الاجتماع العنصري أو الاقتصادي أمثل المجتمعات لتكوين الأمم، وذلك لأن الجماعة الواحدة لا تتكون منها أمة إلا إذا اتحدت المشاعر والأهواء والمنازع النفسية، ولا تتكون هذه المشاعر تحت سلطان تبادل المنافع فقط، وذلك لأن تبادل المنافع يكون عند قيامها، ويزول عند زوالها ولا تتحد النفوس في هذا الظل العارض الذي يتغير بتغير الأحوال والأزمان، ولم يعرف أن أمة تكونت من مجرد التبادل الاقتصادي أو الاشتراك في المنفعة المادية واستمرت وحدتها قائمة وإن وجد ما يشعر بمثل ذلك في فترات وجيزة، فهو غير قائم على عرى وثيقة بل إنه يزول وإن استمر إلى حين. وبالموازنة بين تكوين الأمم واتحادها على أساس عنصري وتكوينها وتوحدها بالدين يتبين أن السير بالإنسانية في مدارج الرقي، وقيام العلائق البشرية على أساس من المودة والفضيلة انما يكون تحت ظل الدين لا تحت ظل العنصرية، لأن العنصرية تفرض دائما تفضيل عنصر على عنصر، وهي شكل من أشكال التجمع الحيواني، اذ تجتمع فصيلة من الفصائل لتقاتل أخرى، وتسيطر على مكان تقيم فيه لتغالب الآخرين وتنهب ثرواتهم، فليس التجمع الانساني على اساس العنصرية الا بقية من بقايا الحيوانية المتناحرة في الإنسان. أما الاجتماع باسم الإسلام فهو اجتماع لا يقوم على المغالبة، بل على الأخوة العامة والمودة الراحمة التي يحث عليها الدين القويم فتتحد فيها المشاعر نحو الفضيلة والمثل العليا التي تنزع بالروح الانساني نحو الملكوت الأعلى، ويخضع فيها الإنسان لخالق الأكوان وحده. ومن فوائد الصوم ايضا: إضعاف سلطان العادة، فقد بلغ ببعض الأفراد إلى حد الاستعباد، فإذا تأخر عنهم الطعام عن موعده فأصابهم الجوع ساءت أخلاقهم، وقد يكون سلطان المكيفات من القهوة والشاي والتدخين أشد من سلطان الطعام على أهله، ففرض الله الصيام ليكون فيه تلطيفا وتخفيفا لهذا السلطان الجامح، ومن فوائد الصوم: إضعاف سلطان الاسترسال في الملذات وتخفيف الشره والثبات على المكاره وتعويد النفس الصبر والقرب من الله سبحانه وتعالى وإخلاص العبادة له، ومن فوائد الصوم: أنه يقي الشخص أن يكون حيوانا يعمل بشريعة الغاب، ويقي المجتمع بتهيئة الفرد الصالح العامل على خيره فيكون إنسانا مع إنسان لا حيوانا ضاريا مع إنسان ، ولهذا يقول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: (وَالصِّيَامُ جُنَّةٌ فَإِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ فَلا يَرْفُثْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَسْخَبْ فَإِنْ سَابَّهُ أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ فَلْيَقُلْ إِنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ وَلِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ يَفْرَحُهُمَا إِذَا أَفْطَرَ فَرِحَ بِفِطْرِهِ وَإِذَا لَقِيَ رَبَّهُ فَرِحَ بِصَوْمه")

[من اسرار الصوم]

من اسرار الصوم انه يتعود فيه الإنسان الابتعاد عن كل ما يغضب الله، فالصائم من اجتنب الكذب والضلال، والغيبة والنميمة، والحسد والشقاق، والالفاظ الباعثة على النفور الموصلة الى الفساد والفجور، وفي الحديث: (مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ) وقد ذكر الغزالي في احياء علوم الدين من اسرار الصوم:

أولا: غض البصر وكفه عن الاتساع في النظر إلى كل ما يذم ويكره وإلى كل ما يشغل القلب ويلهي عن ذكر الله عز وجل.

ثانيا: حفظ اللسان عن الهذيان والكذب والغيبة والنميمة والفحش والجفاء والخصومة والمراء، وإلزامه السكوت وشغله بذكر الله سبحانه وتلاوة القرآن.

ثالثا: كف السمع عن الإصغاء إلى كل مكروه لأن كل ما حرم قوله حرم الإصغاء إليه، ولذلك سوى الله عز وجل بين المستمع وآكل السحت فقال تعالى ” سماعون للكذب أكالون للسحت ” وقال عز وجل ” لولا ينهاهم الربانيون والأحبار عن قولهم الإثم وأكلهم السحت “.

رابعا: كف بقية الجوارح من اليد والرجل عن الآثام والمكاره، وكف البطن عن الشبهات وقت الإفطار.

خامسا: أن لا يستكثر من الطعام الحلال وقت الإفطار بحيث يمتلئ جوفه.

سادسا: أن يكون قلبه بعد الإفطار معلقاً مضطرباً بين الخوف والرجاء إذ ليس يدري أيقبل صومه فهو من المقربين أو يرد عليه فهو من الممقوتين؟ 

 

أربعاء, 06/04/2022 - 15:59