الشهيدان الصنوان/ محمد فال ولد سيدي ميله

لا توجد هدية لعيد الاستقلال أكبر من أن نُذَكّره بمن قضوا نحبهم من أجله. في ليبيا وفي موريتانيا، عرف تاريخ المقاومة شخصين تعانقا في المبادئ والمُثل، وتشابها في الأسلوب، واتحدا في قيم الفروسية، وتصاحبا في طريقة الموت، فاستشهدا متشبثين بالرفض. إنهما الشهيدان البطلان عمر المختار وبكار ولد اسويد أحمد.

 

هذان الشهيدان عاشا في حدود الثمانين حولا، تنْقص قليلا بالنسبة لعمر المختار، وتزيد قليلا بالنسبة للأمير بكار ولد اسويد أحمد.. كانا متدينين إلى أقصى حد، وكانا ممانعين لدرجة لا تصدق إذ رفض كل منهما التنازل عن شبر من الأرض للغزاة مقابل أي نوع من الإكرامات. وفي نهاية مطافهما، ماتا برصاص الاستعمار بعد أن خاضا معارك متشابهة تركت أثرها الكبير في القوى الاستعمارية وشجعت المقاومين على المضي في المسار الانعتاقي.

 

لم يكن المجاهد عمر المختار يقيم أي حساب لميزان القوة المائل جدا لصالح إيطاليا (بعتادها المتطور وبنادقها السريعة). عندما قدمه المستعمرون للمحاكمة سأله أحدهم: "ماذا كان بإمكانك أن تحقق بوسائلك الهزيلة؟"، فرد عليه: "كنت أريد أن أطردكم من البلاد لأنكم مغتصبون". إنه هدف مستحيل في تلك الفترة، فمجرد التفكير في احتمال انتصار الليبيين بسيوفهم على الإيطاليين بمدافعهم، يعد تهورا لا يراعي صاحبُه معادلات الواقع، لكن الأبطال، في المحصلة، لا يعرفون المستحيل.

 

كما لم يكن الأمير المجاهد بكار ولد اسويد أحمد يأخذ في الحسبان ميزان القوة المائل جدا لصالح فرنسا (بعتادها المتطور وبنادقها السريعة). فقد جاء في "لا ديبيش كولونيال"، تحت عنوان "السياسة الفرنسية في موريتانيا" أنه "على مدى فترة طويلة من الزمن، وخلال غزو السودان، لم تهتم فرنسا أبدا بالضفة اليمنى لنهر السينغال التي تقدم لها على أنها بائرة ومتصحرة وهمجية للأبد. كانت ترضى أن تدفع طواعية الإتاوات التي يفرضها زعماء البيظان لكي تضمن نجاح التبادلات والإبحار عبر النهر. والحقيقة أنه لا شيء يثير الاستغراب أكثر من أن أمة عظيمة، مثل فرنسا، تخضع للإرادة الجشعة لضَعَفة الملوك بترضيتهم بمساهمات سنوية أصبحت، بسبب انتظامها، عملا إداريا معتادا. لكن يجب ألاّ ننخدع، فالبيظان لا يعتبرون منحنا إياهم هذه المبالغ بمثابة عربون صداقة، بل يعتبرونها ضرائب حقيقية. فعندما عَلِم بكار ولد اسويد أحمد، أمير إدوعيش، أننا نرفض مواصلة دفع المبالغ التي يبتزنا بها، تعجب وقال: "كيف للنصارى أن يتمردوا!.. سأذهب إليهم لأعاقبهم".

 

لا شك أن معاقبة فرنسا، في تلك الفترة، ضرب من المستحيل. فمجرد التفكير في احتمال معاقبة الأمير، بوسائله المحدودة، للفرنسيين، بوسائلهم الضخمة، يعد تهورا لا يراعي صاحبُه معادلات الواقع، لكن الأبطال، في المحصلة، لا يعرفون المستحيل.

 

البطل الليبي يريد طرد إيطاليا بوسائله الضئيلة، والبطل الموريتاني يريد معاقبة فرنسا بوسائله الضئيلة. ورغم أنه لا ذاك يستطيع ولا هذا يستطيع، إلا أنهما يجتمعان في النية والاندفاع واحتقار مفهوم المستحيل في سبيل الوطن ومن أجل تحقيق الأهداف النبيلة ولو استحالت. إنهما يجتمعان في الشجاعة والطموح والإصرار والاقتناع. إنهما فارسان بكل معنى الكلمة، فالفرسان ينتصرون أو يموتون.

 

فأما البطل الليبي فهو عمر بن المختار بن عمر الهلالي. ولد سنة 1858 واستشهد سنة 1931. وأما البطل الموريتاني فهو بكار بن اسويد أحمد بن محمد بن امحمد شين بن بكار بن أعمر بن محمد بن خونا.. ولد سنة 1818، واعتلى عرش الإمارة سنة 1836، واستشهد سنة 1905.

 

هذان المجاهدان الشهيدان اتحدا في كل شيء، إلا أن الليبيين وضعوا نصبا تذكاريا يخلد بطولات شهيدهم، ونحن لم نضع حجرا واحدا يخلد بطولات شهيدنا. فهل ستكون ذكرى الاستقلال فرصة، هذه المرة، لتصحيح الخلل. فالشعوب، كل الشعوب، مطالبة بتمجيد وتأبيد الجوانب الإيجابية من تاريخها.

 

خميس, 25/11/2021 - 11:57