القيادي الناصري محمد سالم ولد بمبه: الناصريون في موريتانيا ظلوا متشبثين باستقلالية قرار البلد ووحدة مكوناته العرقيةولزوم تصفية جميع المظالم الاجتماعية

الهموم اليومية للمواطن وضمان وحدة مكونات البلد تشكل الموجه الرئيس لكل المواقف البارزة للناصريين في موريتانيا.

محمد سالم ولد بمبه قيادي ناصري مخضرم، ووجه سياسي معروف لدى غالبية الموريتانيين، وهو عمدة سابق لبلدية تيارت، استضافته وكالة الوئام الوطني للأنباء للحديث عن ثورة 23 يوليو 1952 التي قادها الزعيم العربي والإفريقي الراحل جمال عبد الناصر، وعلاقة الناصريين في موريتانيا بهذه الثورة وبفكرها وارتباطهم بالقضايا الوطنية المختلفة والهموم الكبرى للأمة، وهذا نص الحوار: 

 

الوئام: يخلد الناصريون في موريتانيا والوطن العربي ذكرى ثورة يوليو الناصرية كل عام، لماذا؟

محمد سالم بمبه: عادة ما تصدر الحكومات عبر العالم مراسيم لاعتبار بعض المناسبات أعيادا وطنية يلزم الاحتفاء بها سنويا، لكن جذوة الاحتفالات تتلاشى بمجرد أفول الأنظمة السياسية التي أصدرت تلك المراسيم، لكن مناسبة 23 يوليو 1952 تختلف جذريا عن مثل هذه المناسبات، فرغم توالي تراجع الأنظمة المصرية المتعاقبة عن قيم ومكتسبات الثورة، منذ ردة 15 مايو 1971 وما أعقبها من انهيارات اتفاقيات كامب ديفيد ونسخها المشوهة، فلا زالت قيم دروس تجربة 23 يوليو مصدر إلهام للشعب العربي، ولكل الشعوب المحبة للعدل والسلام، لذلك ترون صور القائد جمال عبد الناصر مرفوعة داخل كل ساحات الاحتجاج على الخنوع والاستسلام للعدوى. 

 

الوئام: ما هي أهداف ومنجزات ثورة يوليو على المستوى العربي والإفريقي والعالمي ؟

محمد سالم بمبه: من أهم منجزات ثورة 23 يوليو على المستوى العربي، التأكيد المبدئي المدعوم بالجهد الحربي على أولوية تحرير فلسطين من رجس الاحتلال الصهيوني، وإقامة بعض التجارب الوحدوية، مع التشديد على أن الوحدة العربية هي أعلى درجات الاستقلال العربي، وأن فشل بعض تجاربها، إنما يعود إلى تأخر تحقيق العدالة الاجتماعية التي تحرر الأمة من سيطرة القوى الاحتكارية والإقطاعية العميلة.

أما على المستوى الإفريقي فقد احتضنت ثورة 23 يوليو جميع حركات التحرير الإفريقية من خلال الدعم العسكري والمالي والإعلامي.

وعلى المستوى العالمي، فقد ساهمت الثورة في بلورة وانتشار الاتجاه العالم ثالثي، الذي يرفض الخضوع والهيمنة لأحد المعسكرين المسيطرين خلال الستينيات، الشرقي والغربي، وقد تم تجسيد هذا الاتجاه في حركة عدم الانحياز.

 

الوئام: لم يعترف جمال عبد الناصر باستقلال موريتانيا وأيد، بالمقابل، مطالب المغرب، ومع ذلك كان يحتفي بالرئيس المؤسس المختار ولد داداه رحمه الله ويعول عليه في محاربة تغلغل الكيان الصهيوني في إفريقيا، كيف تفسرون هذه الازدواجية؟

محمد سالم بمبه: ارتبط الناصريون في موريتانيا، شأن إخوتهم في عموم الوطن العربي، بقيم ودروس الثورة، لا بتفاصيل السياسات الخارجية والأمنية التي تم اعتمادها من طرف الثورة، ومع عدم اطلاعي على ملابسات تأخر اعتراف جمهورية مصر العربية باستقلال موريتانيا بشكل مبكر، وإن كنت أفهمها في سياق حرص الزعيم جمال عبد الناصر على الوحدة العربية، فإن مبادرتها بافتتاح أول مركز ثقافي عربي بنواكشوط، في الستينيات، كان له الدور الحاسم في النهضة الثقافية والعلمية، جدير بأن يعوض ذلك التأخر في الاعتراف. 

 

الوئام: أين أنتم، كناصريين، من هموم المواطن اليومية، ومن القضايا الوطنية الملحة، كالوحدة الوطنية والإرث الإنساني وارتفاع الأسعار وليبرالية الصحة والتعليم وملف التعريب؟

محمد سالم بمبه: تشكل الهموم اليومية للمواطن، وضمان وحدة مكونات البلد الموجه الرئيس لكل المواقف البارزة للناصريين في موريتانيا، وكدليل عملي لنا نتذكر شعارات انتفاضة 1984 وتجربة احتضان حركة الحر من طرف الناصريين في التحالف الشعبي التقدمي ومراجعة مواقف الناصريين من كل هذه القضايا من خلال الوثيقة التحليلية والبيان الملخص لها الصادرين يوم 10 إبريل الماضي. 

 

الوئام: بعد عقود طويلة هل ما زلتم تعتقدون أن الفكر القومي صالح للزمان والمكان ويمكن أن يعود كما كان؟

محمد سالم بمبه: الفكر القومي، فكر إنساني، يقوم على صيانة الهوية الحضارية والدينية للأمة في مواجهة محاولات المسخ والاستلاب، لكنه مع ذلك فكر منفتح على المفيد الناجع من الأفكار الواردة من مختلف المدارس الفكرية العالمية، ومن هنا يكون الفكر القومي بهذا المعنى أكثر إلحاحا اليوم في ظل موجات العولمة، التي استحالت في الوقت الراهن إلى نوع من عولبة- بمعنى الوضع داخل علبة - داخل قوالب النماذج الأمريكية والغربية في ميادين الاقتصاد والثقافة والسياسة. 

 

الوئام: يتهمكم بعض خصومكم بأنكم بعيدون من الإسلام بل إن أحد هؤلاء الخصوم في موريتانيا وصفكم بأنكم "أعداء للدين"، ماذا يمثل الإسلام بالنسبة للناصريين؟

محمد سالم بمبه: خصوصية الشعب الموريتاني أنه والحمد لله مسلم مائة بالمائة، والناصريون كغيرهم حريصون على استمرارية وترسيخ هذه السمة، لذلك ساهموا مع غيرهم في كتابة دستور البلد الذي ينص على أن الإسلام دين الشعب والدولة، من هنا نجدهم يشددون في البيان الصادر عنهم مؤخرا،المشار إليه سابقا،على ضرورة تطبيق أحكام الشريعة في مختلف مناحي الحياة.

أما الاتهام الوارد في السؤال، فيوجه إلى من تجرأ عليه ليقدم مسوغاته.

 

الوئام: لماذا لا يوجد حزب سياسي يجمع شتات الناصريين، وهل تفكرون في إنشاء حزب سياسي وطني؟

محمد سالم بمبه:حسم الناصريون مسألة الحزبية مع ظهور التعددية سنة 1991، لذلك نجدهم يؤسسون التحالف الشعبي التقدمي كخيار شبه متميز، وتشارك جماعات منهم في تكوين الحزب الجهوري، واليوم يتواجد الناصريون داخل مختلف الأحزاب الوطنية، ويستمر الحوار فيما بينهم من أجل تطوير حضورهم ومشاركتهم السياسية.

 

الوئام: هل تعتقدون أن الوحدة العربية ممكنة في هذه الظرفية، خاصة مع تجذر القطرية والهرولة الرسمية العربية نحو " التطبيع" مع كيان الاحتلال الصهيوني؟

محمد سالم بمبه: من الناحية النظرية لا مستقبل للأمتين العربية والإفريقية، بدون استمرار العمل من أجل وحدة تكاملية الدوائر العربية والإفريقية والإسلامية، لكن نلاحظ اليوم، وبعد موجات التدمير التي شملت الدول العربية، والتي اندلعت عقبها حروب أهلية داخلية، مزقت المجتمعات والدول القطرية، أن على الفكر القومي اليوم أن يساهم في استعادة الدول العربية لوجودها ووحدة شعبها، سبيلا لاستئناف العمل من أجل وحدة الدوائر الثلاث السابقة

 

الوئام: هل من كلمة أخيرة؟

محمد سالم بمبه: الكلمة الأخيرة التي أريد التأكيد عليها هي أن الناصريين في موريتانيا،ظلوا متشبثين باستقلالية قرار البلد، ووحدة مكوناته العرقية ولزوم تصفية جميع المظالم الاجتماعية لمختلف فئات الشعب المهمشة، ضمن مشروع وطني جامع.

 

الوئام: شكرا جزيلا

 

سبت, 24/07/2021 - 22:45