هام..خبير يكتب: كيف نحصل على نفس مطمئنة..

 

(أعول على صبركم لقراءة المنشور)

في البداية عزيزي القارىء أنت لست هنا أمام وصفة سحرية ستخلصك من القلق والتوتر وكل تلك الحالات الشعورية السلبية السيئة والمجهدة للنفس بشكل لا تشعر معه أبدابالقلق في حياتك،  ولكنك أمام إرشادات واقعية سهلة التطبيق و تحاول أن تبقي لك على آدميتك الصرفة والفطرية  ، حيث أنها لن تمنع عنك  حدوث القلق ولكنها  ستمنع بإذن الله تغلبه عليك وارباكه لك كلما حل بمضاربك على حين غرة من الزمن .
أحبتي علينا أولا أن ننطلق من كون القلق والتوتر وكل تلك المشاعر هي في الأصل ناجمة عن خلل في طريقة تفكيرنا و في طريقة تصورنا وبالتالي في استنباطنا وتحليلنا في الأخير لمعطيات الحياة التي عشناها ونعيشها وسنعيشها بمعنى الماضي والحاضر والمستقبل.

هذا الخلل نجمت عنه تاثيرات سلبية طالت قدرتنا على  ترتيب أولويات حياتنا وارتباطنا الزماني والمكاني عندما نريد أن نتواصل مع الأحداث ،  حتى فقدنا بوصلة التوجيه السليمة والتي بها نعبر  الكثير من مطبات التفكير  الوعرة والمجهدة عبر سلكنا لطرق الوعي المستبصرة  وبالاستعانة بخرائط العقل المرشدة .
 ولكن دعوني أذكركم بحقيقة مهمة تميز كل الإضطرابات النفسية في شكلها وفي جوهرها وهي أنها (سبب) و (نتيجة) في نفس الوقت، وسوف اشرح معنى ذلك .
تخيلوا معي مثلا شخصا أصيب بالقلق بسبب حدث ما (سبب) وعندما أصيب بالقلق تأثرت بعض وظائف جسمه ،مثل الذاكرة او التركيز أو حتى شعر ببعض الاضطرابات الهضمية ،هنا سيشعر مجددا بالقلق بفعل هذه الأعراض (نتيجة) والتي هي في الأصل ناجمة عن القلق ،وهذا ما يفسر شراسة القلق لأنه في النهاية ليس سوى دوامة مغلقة سنظل ندور في فلكها دوما.

أحبتي يربكنا القلق ببساطة لأننا لا نطلق من الواقعية التي تفرضها طبيعة (التكيف) مع مشاكل الحياة وتجنب الوقوع في شرك (الإستسلام ) لها.
نقع في القلق أمام مشاكل الحياة عندما ننسى أن المشاكل تنقسم إلى نوعين ،مشاكل حتمية وهي غير قابلة للتغير ،مثلا الصفعة التي تعرض لها الرئيس الفرنسي ماكرون هذه مشكلة حتمية خلاص لم تعد تقبل التغيير لأن الصفعة قد حدثت ولم يعد بإمكاننا اعادة الزمن إلى الوراء لكي يتفاداها.
ولذلك أمام هذا النوع من المشاكل علينا أن لا نقوم ببذل أي جهد محكوم عليه أصلا بالفشل ولن يؤدي  إلا إلى استنزاف طاقتنا النفسية التي خلقنا الله بها والتي تمدنا بالقوة ولكنها تنقص مع كثرة استعمالها.
هنالك النوع الثاني من المشاكل وهو مثلا ماسيلحق بالشخص الذي صفع الرئيس الفرنسي ،هذا مثلا مشكلته قابلة للتعاطي معها والتأثير عليها وعلى مجرياتها ،لأنه يمكن أن يطلب محاكمة عادلة ويأخذ محاميا ويجيش الرأي العام الفرنسي لمناصرته من أجل الإفراج عنه .

هكذا هي الحياة أحبتي  عليكم أن تفهموا  أنه ان حصل الفشل في الامتحان فلا داعي لإسقاط السماء على الأرض خلاص الامتحان انتهى فكروا  في ما هو آت وانت سيدتي إن تعطل الزواج فليست تلك مشكلتك وليس عليك القفز عبر الفراغات الموجودة في نفسك العامرة بالحزن لكي تغيري هذا الواقع الذي لايرضيك لكي ترضي ألسنا تلهث ببعض الأسئلة المربكة لك ولوجدانك  ..نفس الشيء ينطبق عليك انت اخي الذي خسرت مشروعا تجاريا قبل أيام وصرت ترى أن الدنيا صارت مظلمة بشكل لاضوء فيه في نهاية  نفقها المظلم ونفس الأمر لك يامن لم ترزق بالذرية ...الخ 
ولذلك فإن أول خطوة مهمة علينا القيام بها في سبيل التخلص من القلق هو أن نفهم بأننا لسنا غرفة تحكم تسطتيع أن تفرض سيطرتها علىكل مجريات الأحداث في حياتنا وعلى جوانبها المختلفة...نعم عادي جدا إن لم استطع في مرة معينة القيام ببعض الأمور أو إن فقدت السيطرة هنا وتراجعت هناك...
أحبتي إن أعظم جرم ارتكبه القلق في حقنا هو أنه جرنا إلى فخ مربك جدا وهو أننا اذا شعرنا بالقلق كبشر إثر أحداث معينة فإن الشعور بالقلق الشديد بحد ذاته هو أمر جيد وفعال وبناء ووسيلة جيدة للتغلب على المشكل وهذه خدعة سرقت طاقتنا وعمرنا وراحة بالنا وهي ليست سوى مضيعة للوقت والزمن والطاقة لأنه سيجعلنا نقلق ونراقب قلقنا وبالتالي سنعود للقلق من جديد في دوامة لاتنتهي.

لذلك علينا أن نفك الإرتباط الهوياتي  بيننا مع القلق ولنفهم أن القلق ليس مرادفا لنا ولايجب أن يعبر عنا أبدا، بل يجب أن نفهم بأن القلق ليش سوى مصيدة تتمثل في خيارين إما أننا نخاف من حصول أمر ما ..أو أننا نخاف من أن لايحصل أمر ما..!!
وأولى خطوات فك ذلك الارتباط هي أن نتوقف عن العبث بطرق التواصل السليمة مع الزمن وأحداث بمعنى أن نضبط التعامل مع خط الزمن الفاصل بين الأحداث فما نعيشه الآن بعد غدا سيدخل في خانة الماضي وما نحضر له حالا سيكون واقعا معاشا بعد الغد في خانة المستقبل .
والأشكال الذي يسبب القلق في تعاطينا مع الزمن هو أننا إما أن  نجد أنفسنا بين رفوف ملفات الماضي وصفاحاته التعيسة والمؤلمة،ما سيخلق حالة من الحزن تؤدي لامحالة لحالة من القلق والتوتر تشد الإنسان من عقله وجوارحه وجسده. 
أو أن نجد أنفسنا نسير بين أروقة الشك ونجلس على حافة الترقب والإنتظار ، ماسيخلق حالة من القلق قادرة على العبث بسكينة داخلية لدينا و  هي من تمكننا من الحفاظ على حالة من الإتزان وضبط النفس، و بالتالي سنجد انفسنا بين فكي  القلق.
والأشد ألما هو أن مرحلة مهمة من عمرنا كانت ستفيدنا جدا في التخلص من تبعات القلق بل والحيلولة دون حدوثه أصلا وهي التركيز على الحاضر، والذي يعني عدم ترك لحظات العمر تتسرب من أعمارنا دون أن نعيشها.
لذلك علينا أن نفهم أن القلق والتوتر وكل تلك المظاهر السلبية هي نتاج لأمرين اما تعلق زائد بأحداث مضت (الحزن ) أو بأحداث قادمة (الخوف والقلق )وفي كلى الحالتين ستصاب بالقلق السلبي بفعلهما دون شك.
ولكي نحارب القلق في خطوات عملية إليكم الآتي :
*ثقافة التنفيس وهي عبارة عن مشاركة همٍ ما مع شخص تثق فيه وهذه خطوة يستخف بها كثيرون ولكنها مهمة جدا وقد تكون فعالة أكثر مما نتصور،لأن الفكرة السلبية عندما نتقاسمها مع الآخر تنقص ولكن الفكرة الإيجابية تكثر وتتمدد عندما نشاركها مع الغير.
*ثقافة الفلترة والتصفية والرمي في سلة المهملات 
علينا دوما قبل النوم أن نحاول التخلص من كل الأفكار السلبية ومن كل الأمور التي لا فائدة منها علينا وهذه يمكن أن تتم في الخمس دقائق الأخيرة من مرحلة ماقبل النوم كل يوم.
*اترك لنفسك الحق في النسيان والتناسي فهذه نعم ربانية خلقت أصلا لتمتص عنك الكثير مما لا تستطيع معه صبرا.
* عليك بالإختلاط بشخص ترتاح له وتضحك معه وتشعر بالسعادة معه ولتبتعد عن كل الشخصيات النكدية والسلبية لأنك لم تخلق لتتحمل رعونة أحدهم أو قسوته أو تصرفاته السيئة..ففي النهاية بكملة ايجابية يمكن أن نحي النفوس وبكلمة سلبية كذلك يمكن أن نميتها جدا.
*عليك بممارسة ما تحب أيا كان فهذه الحالة تعطيك رصيدا من الطاقة الإيجابية .
*حاول دوما أن تجعل أحلامك تناسب قدراتك حتى لا تترك للإحباط طريقا يدخل منه ليربكك  من جديد. 
*علينا القيام بعملية تفريغ للذهن من كل الشوارد لكن نحصل على صفاء نحتاجه في حياتنا .
*ممارسة الرياضة وعندما أقول الرياضة علينا ان نفهم أنها تمد الجسم بافيونات طبيعية تحقق السعادة وتحارب التوتر  وتستهدف المستقبلات  التي يتولد منها الناقل العصبي للتوتر.
*تغيير نمط حياتك من أجل تنظيم نومك وتغذيتك وكذلك التخلص مم كل المنبهات التي تؤدي للقلق كالكحول والسجائر والمخدرات والقهوة الخ.
*عليك بممارسة رياضة الإسترخاء والتي ترشدك إلى طرق معينة للتنفس وحركات تمارين عضلية.
*عليكم بأخذ ورقة وكتابة كل الأمور التي تثير القلق لديكم وبعد ذلك النظر في الورقة ،والتساؤل عن كل نقطة وعن سبب قدرتها على التأثير عليكم  وهي خطوة مهمة لأنها ستكسر حاجز الخوف والتخفي وعدم المواجهة مع الأمور التي تخافون  منها وهذا سيمكنكم  لاشك من التغلب عليها وتجاوزها مستقبلا.

*وفي الجانب الروحي أنصحكم بإختيار ورد قرآني كل يوم
والحفاظ على الصلاة.، وصلة الرحم والإكثار من الصدقات عبر تسلميها للمحتاجين ، عليكم بالجلوس بين صلاة الفجر وبين شروق الشمس تلك اللحظات عامرة جدا بالطاقة الإيجابية. 
جرب  يوما أن تركب سيارتك وتقول انك ستذهب لمكان خالي من الناس لكي تنشر سجادتك وتصلي لله ركعات وتتلو كتابه في مشهد يشبه الهجرة إلى الله ولو بشكل مبسط وهو ماسيريحك وأنا على يقين بذاك.
اخيرا أحبتي كلما راودكم القلق لاتقولوا أبدا نحن نشعر بالقلق بل قولوا نحن أمام حالة شعورية تمر بوعينا  ونحن  من علينا  مراقبتها للتحكم فيها وليس أن ننقاد لها ونغرق في تفاصيل الإستجابة لكل تأثيراتها السلبية. 
أحبتي تذكروا جيدا أن أمة تلازمها الهواجس ويستبد بها القلق على مصيرها لايمكنها أن تقدم نتاجا فكريا أو حضاريا له قيمة. 
وتذكروا أن كل يوم تعيشونه هو هدية من الله ولايجب أن تضيعوه بالقلق من المستقبل أو الحسرة على الماضي ففي النهاية السعادة تكون في ثلاث ،أن تقوم بأمر الله ،وأن تقنع نفسك بما قسمه لك،وأن ترضى بما قضاه عليك.
فرج الله على كل مهموم ورزق قلوبكم الطمأنينة ونفوسكم السكينة.
كونوا بخير...
ليلة هادئة.
#اسبوع_التدوين_عن_القلق 
#من_أجل_نفوس_مطمئنة 
#الثقافةالصحيةالنفسية
الدكتور: محمد فاضل كًوهي

جمعة, 11/06/2021 - 10:12