وقفة مع رسالة الدعوة لحزب الرباط / محمد ولد سيدي عبد الله

لم يكن الرّد على الرئيس السابق من بين الاحتمالات التي خطرت ببالي، فلم أكن لأرضى لذات القلم الذي آمن صاحبه -ضمن قائمة من أبناء هذا الوطن- بخطابه ونهجه، واشترى بمداده أعداء ألِدَّاء، وأحقادا كثيرة، أن يتجرد للرد عليه؛ لولا أنني أخذت من رسالة الرئيس السابق الأخيرة أنّ السكوت صعب، وأنه لا بد أن تحين الساعة التي نعبّر فيها عن بعض الخواطر والمكنونات، ويفك فيها "رباط الصمت" ليشرع في البوح، حتى ولو كان دافع السكوت دستور الأمة وميثاق شعبها!

السيد الرئيس السابق.

لقد آمن معظم من تعدونهم شركاء لكم في ما اعتبرتموه صناعة لموريتانيا جديدة، بمشروعكم، فانخرطوا في الذود عنه؛ منهم من سخر فكره وقلمه، ومنهم من وهب ماله وعرضه، ومنهم من دخل المعترك من نافذة السياسة...

انجذب الجميع بقوة المصطلحات التي اخترتموها؛ "رئيس الفقراء" و"الحرب الفساد" وعناوين وتصرفات سبت الطامحين إلى التغيير ...

لم تقنعنا التحليلات التي أكد أصحابها أننا أمام عمل مسرحي كبير، ولم نصدّق أننا مجرد متابعين لدراما من نوع خاص؛ لذلك كنت أعتبر المشكّكين في مزاعمكم نشطاء في حركة تثبيط العزائم!

لقد مثلت زيارة "حي لمغيطي" التي أطلقتم من خلالها الأمل، وأعلنتم على إثرها عن قرارات بسيطة في شكلها، ولكننا كنا نعتقد أنها عميقة، وأنها أكبر من شاة عقيقة للقب "رئيس الفقراء" الذي منحه شعب بريء، اعتبر القرار السريع بتخطيط أحياء الصفيح في انواكشوط بشرى بمستقبل واعد، كما كانت محاسبة المتورطين في عمليات الفساد دليلا آخر على وضوح الرؤية وجدية المسعى.

امتلكتنا تلك الخطابات، وتلك القرارات، فكتبت اقتراحا باتخاذ "موريتانيا الجديدة" شعارا إعلاميا، فتبنيتم ذلك وظهر الشعار على المناشير وفي كلّ الخرجات الموالية؛ وعهدتم بمهمة تنفيذ ذلك للمستشار ولد إبراهيم أخليل، وبدأتم ترددون الشعار الذي صيغ في لحظة كنت فيها على يقين من أننا -فعلا- أمام موريتانيا جديدة.

لقد كنا نجزم أن البلد يشهد تحولا جذريا على كل الصعد، وكانت قراراتكم بقطع العلاقات من إسرائيل، وزياراتكم للمستشفيات، ووقوفكم مع أصحاب المظالم، معطيات تشحذ قناعتنا من جهة، وتدفعنا في جبهة أخرى إلى مقارعة كتاب ومفكرين رأوا أن تلك الأصوات والتصرفات مجرد لغط إعلامي لتضليل الناس، وسوقها وفق مخطط متعدد الأبعاد الأهداف!

سخر بعض الكتاب أقلامهم لفضح ما كنا نعتقد أنه تغيير ملموس، ويرونه تمويها متعمدا عن طبيعة التوجه الذي تسير نحوه البلاد؛ من بين هؤلاء المرحوم الدكتور الشيخ ولد حرمة الذي كتب حلقات "نحن والمسار الحانوتي" الذي تناول خلاله قصة "أدويره"، والمرحوم محمد يحظيه الذي استوحى بعبقريته الثاقبة قصة الجمل الذي يتحين الفرصة التي ينكّل فيها بالشخص الذي لا يرأف به، وألقى المرحوم محمد سعيد ولد همدي في إبريل 2014 خطابه الشهير أمام آلاف المشاركين في مسيرة "الحقوق" التي نظمها ميثاق الحقوق السياسية والاجتماعية والاقتصادية للحراطين، وغيرهم من الكتاب الذين أسهبوا في التحليل ...

السيد الرئيس السابق ؛

لا أريد أن أثقل عليكم ولا أن أطيل؛ لكنني وجدت رسالتكم الأخيرة إيذانًا بقطع شريط الصمت؛ لذلك آمل في الإجابة على بعض الأسئلة التي تداعى إليّ أنكم امتنعتم عن الرد عليها أمام القضاء والشرطة، وسأكون أول المنخرطين في رباطكم السياسي إذا تأكد:

 أن قصة الأموال والأراضي والعقارات والمؤسسات والسيارات التي يتحدثون عنها ليست ملكا لكم، ولا لأحد أفراد محيطكم الضيق.

إذا ثبت أنكم كنتم تسحبون راتبكم الشهري، لتنفقوه في ما ترونه استثمارا لتسييير شؤونكم في فترة ما بعد الرئاسة، وأن ما تمتلكونه، لا يتجاوز جزءا مدخرا من أجركم طيلة السنوات التي توليتهم فيها رئاسة البلاد.

أما إذا واصلتم الصمت بعد رسالتكم، أو لم تقدموا ما يكفي من الأدلة على أن هذه الأموال ليست ملكًا لكم، ولا لأحد أفراد محيطكم، فإنكم بذلك تؤكدون أن موريتانيا عرفت عقدا من الدراما السياسية، وأن الرسالة الأخيرة تمهد لعمل مسرحي من نوع آخر.

جمعة, 09/04/2021 - 11:25