التنمية الريفية أمام معضل "الوزير العاكف"!!

وكالة الوئام الوطني للأنباء - ضمن مواكبتنا لمعوقات النهوض في شتى المجالات، وفي إطار تتبعنا لنجاحات وإخفاقات القطاعات الوزارية والاستراتيجيات التنموية في موريتانيا، نشرنا، في وكالة الوئام الوطني، تقريرا تحت عنوان "إلى متى سنظل عاكفين، سيادة وزير التنمية الريفية؟"، فجاء رد الوزارة المعنية متهالكا وفارغا من أي فكرة موضوعية، غير مكترث بالمضامين، لا يعبر إلا عن أفق جهوي ضيق، إذ أن اكتشاف العلاقة بين الوزير الدي ولد الزين وموقع "تجكجه إينفو" لا يتطلب الكثير من الذكاء.

والحقيقة أن وكالة الوئام الوطني نشرت العديد من التقارير حول الزراعة، وقابلت المندوبين الجهويين وروابط المزارعين، ونقلت معاناة القطاع خاصة بعد الجائحة التي هلكت جراءها آلاف الهكتارات في ولايتي الترارزه والبراكنه.

وإننا لنؤكد لسيادة "الوزير العاكف على الإنجازات" أن حق الرد مكفول في صحيفتنا، وأنه كان أولى به إرسال رده إلينا مباشرة بدلا من اللف والدوران عبر "مواقع" أخرى من المفترض أن الأخلاقيات المهنية ومنطق الزمالة يمنعانها من أن تكون مطية لتسفيه عمل منشور في صحيفة أخرى.

مهما يكن، فقد قرأنا رد الوزارة وبدا لنا من المهم أن نؤكد للسيد "الوزير العاكف على تطوير القطاع الزراعي والتنموي" أننا لم نقل ان كل التصريحات الواردة في التقرير مأخوذة من مقابلته الأخيرة في "قناة الموريتانية"، وإنما جمعناها من عشرات المقابلات والتصريحات والخطابات التي لم يزد فيها، مجتمعة، على التأكيد على أنه عاكف على العمل، وأن الحكومة عاكفة عليه.

قبل الدحول في بعض التفاصيل، نذكّر "الوزير العاكف" أن آخر تقرير للبنك الدولي أكد أن "موريتانيا تتوفر على إمكانات زراعية هائلة وقدرات تنمية كبيرة جدا"، وأنها بالتالي لا تنتظر، كي تحدث طفرة زراعية إقليمية، إلا وزيرا وطاقما يتجاوز فعل "عَكَفَ" إلى أفعال مفيدة من قبيل "أنتج" و"حقق" و"حصد" و"اكتفى ذاتيا" و"صدّر". فالزراعة المروية تمتد على طول الضفة اليمنى لنهر السينغال، والزراعة المطرية تمتد على طول وعرض البلاد بحيث تتوفر موريتانيا على 500 ألف هكتار قابلة للاستصلاح، وقد فشل الوزير في استصلاح أكثر من 5% منها بينما تم استصلاح 25% منها قبله بسنوات.

دون أن ننسى أن "الوزير العاكف" فشل، حتى الآن، في استغلال ما تجود به اتفاقيات منظمة استثمار نهر السينغال التي استغلتها السينغال ومالي وغينيا في تحسين العائدات الزراعية، وتأمين الحبوب للأهالي المزارعين، والحد من الهجرة من المناطق الريفية الزراعية إلى المدن، والحفاظ على الوسط البيئي. كما تمكنت هذه الدول، عن طريق وزراء تجاوزوا فعل "عكف" وبدأوا في الإنتاج والإنجاز، من تطوير البنية التحتية الزراعية عن طريق توليد الطاقة الكهرومائية وجلب المستثمرين، الأمر الذي ما يزال، وسيبقى وزيرنا عاكفا عليه!!. ولا أدل على ذلك من أزمة الخضروات، قبل حل مشكل الكركارات، إذ باتت المجاعة قاب قوسين من باب الوزير العاكف لأن القطاع الزراعي، رغم الخرجات الإعلامية المتلاحقة للوزير العاكف، ورغم جولاته المكوكية، ورغم سيل تعهداتها، لا يستجيب لثلث الطلب المحلي بسبب فشل سياسات وزارة التنمية الريفية العاكفة على الإصلاح منذ أمد بعيد والرافضة لتجاوز فعل "عكف" حتى في عهد الإصلاح الذي دشنه نظام الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني.

كان على الوزير العاكف أن يقرأ البحث الذي نشره الوزير السابق كانديكا سيلا الذي ذكر أن من بين معوقات القطاع الزراعي في موريتانيا "نقص المدخلات ورداءة نوعيتها، وندرة ورداءة نوعية المنشآت ووسائل الإنتاج، وضعف التنويع الزراعي، وغياب صيانة البنية التحتية، ونقص الوسائل المالية، وضعف تنظيم المنتجين، وعدم ملاءمة التكوينات الفنية". وبعد قراءة البحث، وبعد فهمه طبعا، يكون على الوزير العاكف أن يسأل نفسه عما نحج فيه من مجابهة هذه المعوقات ليرد عليه الواقع: "لا شيء تقريبا، أو لا شيء إطلاقا".

وبخصوص عقدة الوزير من العنوان: "إلى متى سنظل عاكفين؟"، وبرهنته، من خلال رده عبر تجكجه إنفو، على أنه قدم إنجازات ملموسة، وأنه لم "يعكف" على سياسات مستقبلية لا تؤتي أكلها لأنها لا متناهية، فإن المتتبع لنشاطاته، على موقع الوزارة، لن يساوره الشك في أنه وزير خُلق ليظل عاكفا فقط، ففي خبر منشور عليها يقول الموقع:

"أكد وزير التنمية الريفية السيد الدي ولد الزين على ضرورة مكافحة كل أشكال الغبن والفوارق الاجتماعية والفقر، وأن قطاعه سيعمل وفق رؤية فخامة رئيس الجمهورية المتبصرة من أجل توفير ظروف عيش كريم للسكان في حلهم وترحالهم.

جاء ذلك في تصريح أدلى به السيد الوزير عقب زيارته الاستطلاعية التي شملت إدارات تنمية الشعب الزراعية والإرشاد الزراعي ومشروع التنمية المستديمة للواحات والمصالح البيطرية والإحصاء...

وأضاف الوزير أنه تم في هذا الإطار وضع سياسات ستمكن من تحقيق هذه الأهداف مع التركيز على مراقبة جودة الأشغال وصيانتها...

وبيّن أن جهودا كبيرة سيتم بذلها في مجال المراقبة الصحية للمواد الغذائية ذات الأصل الحيواني وفي مجال رقابة الواردات من المنتوجات الأخرى من ألبان ولحوم بيضاء...". إن جولة سريعة في هذا الخبر تؤكد أن الوزير "سيعمل من أجل توفير عيش كريم" وأنه "وضع سياسات ستمكن من تحقيق الأهداف" وأن "جهودا كبيرة سيتم بذلها".. جُمَل كلها تسويف وكلها مشروطة بمستقبل بعيد قد لا يأتي أبدا، فيما ينتظر المواطنون إنجازات تتحقق فعليا وحاليا لأنهم ملوا السين وسوف وأخواتهما كـ"عاكفين".

وقد جاء في خبر آخر على نفس الصفحة:

"أدى وزير التنمية الريفية، السيد الدي ولد الزين، زيارة تفقد واطلاع لمشروع تطوير زراعة الأعلاف في مدينة انبيكت لحواش، وذلك ضمن زيارته لولاية الحوض الشرقي. واطلع الوزير على مختلف أصناف الأعلاف المزروعة في هذه المزرعة، وعلى الطرق المتبعة في ري المساحات المزروعة، مستعرضا بعض المحاور الأساسية في سياسة الحكومة الهادفة إلى الرفع من المستوى المعيشي للمواطنين وخاصة الفقراء في المناطق النائية.

وقال الوزير إن الدعم الحكومي سيتركز أساسا على النتائج والمردودية، وفي رده على مختلف التدخلات، أوضح أن مشكلة انتظام مياه الري سيتم التغلب عليه".

ويتضح من الخبر أن سياسة الحكومة، التي أولته إياها، "تهدف إلى الرفع من المستوى المعيشي"، لكنها لم ترفعه بعد لأنها "عاكفة عليه"، وأن الدعم الحكومي، من خلال وزارة التنمية الريفية، "سيتركز على المردودية" وأن "مشكل الري سيتم التغلب عليه". إنها أفعال مصرّفة كلها في مضارع مستقبلي بعيد لم يتحقق بعد لأن الوزير يظل في مكتبه أو في جولاته "عاكفا" فقط.

وفي خبر آخر "أكد وزير التنمية الريفية، السيد الدي ولد الزين، على ضرورة التشاور بين القطاع الريفي وشركائه سبيلا لتفعيل أدائه في الاقتصاد الوطني. وقال خلال اجتماع عقده بمدينة لعيون مع المزارعين والمنمين بولاية الحوض الغربي، ان هذه الزيارة تدخل في إطار تجسيد تعليمات فخامة رئيس الجمهورية المتمثلة في الاطلاع على مشاكل السكان والعمل على حلها عبر وضع سياسة ممنهجة قابلة للتنفيذ وقادرة على الرفع من المستوى المعيشي للسكان خاصة الشرائح الضعيفة. مجددا عزم الوزارة منح كل الصلاحيات للمندوبيات الجهوية لتلعب دورها المنوط بها بكل عدالة وحياد في تقريب الخدمة العمومية من السكان وخاصة المجموعات المحدودة الدخل.

وأشار الوزير إلى أنه نظرا لأهمية الزراعة المطرية في الرفع من المستوى المعيشي للسكان، سيتم تجريب بعض المحاصيل في عدد من السدود ليتم تعميمها مستقبلا في عموم المواقع الزراعية".

لا شك أن الوزير ماض قُدُما في نفس المعزوفة القائمة على تصورات وخيالات تنتظر المستقبل البعيد مثل "العمل على حل مشاكل السكان (فقط العمل على حل مشاكلهم وليس حل مشاكلهم) و"سيتم تجريب بعض المحاصيل".. إنها فلسفة السين وسوف التي تجسد وضع الوزير العاكف أبدا على ملفاته، ففي مدينة كيفه "أشار إلى أن القطاع عاكف على وضع مسطرة تخدم العملية التنموية بمفهومها الواسع وتشمل خلق قيمة مضافة على المشتقات الحيوانية وتنظيم أسواق اللحوم الحمراء والبيضاء والعمل على خلق شراكة بين الدولة والمنمين والمزارعين تتوفر على دفتر للالتزامات"، و"أكد وزير التنمية الريفية أن الوزارة عاكفة على تسيير معقلن للفضاء الريفي بصفة عامة لمعرفة الأماكن الصالحة للزراعة وتلك الصالحة للتنمية". إنه "عكوف" الوزير الذي لا ينتهي، ولو تتبعناه لملأنا وكالتنا من التسويف غير المجدي لا للزراعة ولا للتنمية الحيوانية ولا لتعهدات رئيس الجمهورية.

إن على وزير التنمية الريفية، شأنه في ذلك شأن كل الوزراء، أن يتيقنوا أن الإعلام سيقوم بدوره كسلطة رابعة تراقب عملهم وتقيّمه وتنتقده دفعا إلى الإصلاح وتثبيطا لهمم من يحاولون إبقاء موريتانيا في المربع الأول، وأنها لا تستهدف شخصا بعينه وإنما تنتقي حسب القطاعات الأكثر ارتباطا بمصالح الشعب. وبالتالي فلا مبرر للتحامل على الإعلام عن طريق العلاقات الجهوية، خاصة عندما نؤكد بالأدلة، مدعومين بشهادات المزارعين والمنمين، أن الجراد لم يجد من يكافحه، وأن الحرائق التهمت جل المساحات الرعوية، وأن الطيور الضارة أنهكت الحقول الزراعية وهددت المحاصيل، وأن حملة الشهادات العاملين بمزرعة امبوريَه ما يزالون يعانون، كما عبروا عنه في بيان أصدروه اليوم، ذكروا فيه ما نصه: "لم نلمس، بعد طول نفس وانتظار، إلا وعودا زائفة تتحول سرابا كلما اقتربنا من الأمل في التعاطي بجد مع مطالب بسيطة تشكل حدا أدنى مما نستحقه وتستحقه الزراعة على من له أدنى طموح في الإصلاح وتجسيد برنامج فخامة رئيس الجمهورية في النهوض بالزراعة وتحقيق الاكتفاء الذاتي. ذلك البرنامج الذي يحاول بعض المتربصين وأصحاب الأغراض والأهداف الخاصة داخل وزارة التنمية الريفية أن يقفوا حجر عثرة أمام تحقيقه خدمة لأجندات خاصة يدفعون وزير التنمية الريفية إلى تبنيها نكاية وظلما لأصحاب الحقوق من حملة الشهادات وغيرهم".

رغم أن هؤلاء المواطنين الذين تخلوا عن المطالب بالتوظيف، محبذين المساهمة في المجهود التنموي الوطني، لا يريدون من "الوزير العاكف" غير ترميم واستصلاح القطع الأرضية ومنحهم وثائق الاستغلال الدائم طبقا لروح عقدهم مع الوزارة ومكافأة لجهدهم ووقتهم في خدمة الأرض".

إن وكالة الوئام الوطني لا تسعى إلى فرض جدل عقيم بينها ووزارة التنمية الريفية، لكنها مستعدة للرد على كل ردود الوزارة لأن جعبتها ما تزال مليئة بالمعطيات والأرقام وخفايا التسيير الفاشل لقطاع يتطلب، بدل العكوف الدائم، منجزات ملموسة تساعد في تغيير واقع الزراعة والتنمية ورفعه إلى مصاف السياسات الإقليمية في المحيط القريب منا. وبالتالي فإن الوكالة "عاكفة" على الرد أبدا ما عكف الوزير على تخدير القطاع وتنويم العملية الإصلاحية الكبرى التي بشر بها الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني في برنامجه الانتخابي.

 

وكالة الوئام الوطني للأنباء 

خميس, 31/12/2020 - 08:35