الرئيس سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله، ظاهرة لا تتكرر كثيرا ((خاص))

سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله، إسم يرادف، عند الموريتانيين، توطئة الأكناف والصبر والرزانة وحلاوة الطبع. صحيح أنه لم يحكم البلاد لأكثر من 16 شهرا، لكنه، خلال تلك الفترة الوجيزة، كان معلما أكثر منه مسيّرا، فقد أبدى مرونة فائقة، وتعففا عن سفاسف الأمور وبذيء الكلام، ونضجا في التعامل مع الآخر، فكانت تلك المسيرة بمثابة الدروس التطبيقية لمن يفكرون في حكم البلاد.

سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله، المولود 1938، ترأس البلاد، ما بين 19 ابريل 2007 و6 أغشت 2008 بعد فترة حالكة من الانقلابات والأزمات السياسية بين طرفي المعادلة التقليدية (الجيش/ والمعارضة المدنية) أفضت، إثر مرحلة انتقالية قادها الراحل اعلي ولد محمد فال، إلى اختياره، ضمن أول انتخابات شفافة تقنيا، كأول رئيس مدني منتخب.

كان مساره التعليمي كله نجاحات، منذ مقاعد الدرس في ابتدائية ألاك، مرورا بإعدادية روصو، إلى ثانوية سان الويس بالسينغال، وانتهاء بمدينة اغرنوبل بفرنسا حيث حصل متفوقا على شهادة الدكتورا في الاقتصاد.

سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله، الذي اعتلى وظائف سامية خلال مشواره، من مدير للتخطيط، إلى وزير، إلى موظف لدى هيئات مالية عربية شهيرة، إلى رئيس للدولة، لم تخل حياته من السجون التي زارها ثلاث مرات كان خلالها صبورا، مستسلما لقدره، غير آبه بغير الله مخلصا له من سلاسل التجبر والتعسف والطغيان. كان أول مقام له في السجن سنة 1978 بعيد الانقلاب على نظام الرئيس الأسبق المختار ولد داداه. وكان مقامه الثاني سنة 1987 في قضية تعرف حينها بـ"ملف احميده ولد بوشرايه"، فيما كان مقامه الثالث سنة 2008 إثر انقلاب عسكري قاده الجنرال محمد ولد عبد العزيز. وقد واجه الفقيد كل تلك السجون، بما فيها من ظروف سيئة، بالصبر الجميل والتمسك بالموقف الرافضة لتجريمه بغير سبب قانوني منطقي.

أما أكبر صدمة تلقاها، خلال مشواره الوظيفي والسياسي، فتكمن في تخلي جل داعميه ومقربيه عنه أيام "الكتيبة البرلمانية" وما رافقها من حملات ساعية إلى الإطاحة به وإهانته أمام الرأي العام. كان الفقيد ينظر إلى جحافل مؤيديه، الذين أصبحوا، بقدرة قادر، أبواقا لنظام العشرية المنصرمة، بكثير من الشفقة، فلا يزيد على الابتسامة العريضة عندما يرى أحدهم يبالغ في التهجم عليه وإطراء خصمه. كان على دراية كبيرة بأن تلك هي سُنّة السياسيين فينا لأنهم لم يدرسوا الأخلاق السياسية ولم يتخلصوا من قيود الطمع أبدا.

وبعد اتفاق دكار، وما لعبته فرنسا من أدوار ضاغطة، وبعد تنازلات جناحه السياسي في جبهة المعارضة، وبعد أن انفض من حوله مقربوه وركائز نظامه، قبل التخلي عن السلطة طواعية لمصلحة استقرار موريتانيا معلنا لمن أزاحوه بالقوة، في خطاب خلده التاريخ كدرس في قيم التسامح، أنه "لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين".

ورغم تعنت رأس النظام السابق وتماديه في التسويف بتنفيذ البنود غير المنصوصة من اتفاقية دكار، خاصة منها المتعلقة برواتب المرحوم عن بقية مأموريته وعلاواته ومصروفات تعويض المعاش والأثاث، ظل الفقيد سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله صابرا محتسبا، يرفض الحديث، في بيان أو عبر محام أو في مقابلة، عن فُتات الدنيا، تاركا النظام السابق يتمادى في إهانته، محبذا المحافظة على وقاره المعروف وزهده الشهير.

ولعل أصدق ما قيل فيه، هو ما عبر عنه الشاعر سلاّمي ولد بكّي في مرثية تداولها الكثيرون في الصحف ومواقع التواصل الاجتماعي، جاء في بعض فصولها:

تولاها وفارقها وكانت

لياليّ لسن بالزمن المديد

فلم يعلق بسوء من خناها

ولم يرحل إلى قصر مشيد

ولم يعرف لصيد البحر صيدا

ولم يقضم محاصيل الحديد

وما هدم المدارس والمشافي

ولا سوقا بناه على صعيد

ولم يملك رصيدا باسم غير

ولم يكنز كنوزا في رصيد

ولم يبسط ذراعيه لمال

حرام في الخزينة بالوصيد

واليوم، بعد رحيله المأسوف عليه، تفاجأت موريتانيا بوسائل الإعلام الدولية وهي تمطرنا بمئات الشهادات الحية من رؤساء ومثقفين وساسة، أجمعوا كلهم على أن "فقيد الرصانة والخلق العظيم، الرئيس السابق سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله، كان من طينة أخرى، كان نمطا حياة نادر، كان ظاهرة لا تتكرر كثيرا".

تغمده الله بواسع رحمته، وجزاه عنا بالخلود في جنات الفردوس مع الصديقين والشهداء، وإنا لله وإليه راجعون. 

 

 

إسماعيل ولد الرباني المدير الناشر لوكالة الوئام الوطني للأنباء 

 

 

 

 

أربعاء, 25/11/2020 - 09:58