الدكتور محمد ولد الرباني: جائزة حفظ المتون من الأمور الإيجابية التي نشهدها يوميا

وكالة الوئام الوطني - أكد الدكتور محمد ولد الرباني، الباحث في جامعة السوربون، ورئيس قسم الدكتوراه في جامعة نواكشوط، والخبير في الترجمة، والمهتم بقضايا الأدب والتراث، أن جائزة رئيس الجمهورية لحفظ المتون، التي أعلنت وزارة الشؤون الاسلامية عن تنظيمها، "تعتبر بمثابة هذه الدروس والأمور الإيجابية التي نشهدها يوما بعد يوم".

جاء ذلك ضمن مقابلة حصرية مع وكالة الوئام الوطني للأنباء هذا نصها:

 

وكالة الوئام: ما الإسهام الذي يمكن ل"جائزة رئيس الجمهورية للمتون الفقهية" أن تضيفه للتعليم الأكاديمي في موريتانيا؟ 

 

الدكتور محمد ولد الرباني: أشكركم على إتاحة هذه الفرصة، بداية أريد أن أوضح أن هذه الجائزة تعتبر فرصة جيدة وسانحة وينبغي لجميع طلاب المحاظر والمهتمين بالدراسات الاسلامية أن يولوا أهمية كبيرة لهذه الفرصة ولهذا المناخ الذي نعيش، والذي هو في الحقيقة مناخ مبشر ويشي بالكثير من المسائل والأوضاع التي كانت تنقص هذا البلد، ومع ذلك فإننا نطالب بالمزيد.

حقيقة ينبغي أن نفهم أن المحمول التراثي مهم وخاصة منه المحمول التراثي الديني، وموريتانيا والشناقطة عرفوا أول ما عرفوا بالاهتمام بالدراسات الدينية وحفظ القرآن والحديث والمتون، إلى غير ذلك من المسائل، ولذا فإن إتاحة الفرصة لتشجيع هذا المجال وهذه الثقافة أمر مهم الى درجة كبيرة، لماذا؟، سأقرأ الموضوع من زاوية أخرى، لأن الثقافة تقوم على بعدين أساسيين، وهما الأصالة والانفتاح، فمن ليست له اصالة ولا يهتم بثقافته ببعدها التراثي فهو في الحقيقة يقف على أرضية هشة، ولأننا اليوم  نقف على ارضية صلبة وثابتة علينا أن نهتم بهذا المحمول التراثي الديني الذي به أشعت وستشع الثقافة العربية الاسلامية في بلاد شنقيط، وعلينا ان نهتم بحفظ القرآن والحديث، إلى غير ذلك من المسائل، لكن لا يفوتني كذلك أن اوضح لطلابنا بصفة عامة، ولطلاب المحاظر بصفة خاصة، على الحفظ للمتون والحفظ للنصوص القطعية هو امر في غاية الأهمية، لكن لا ينبغي ان نقف عند عتبة الحفظ، فالثقافة تتطور بالفهم والعقل والإدراك والاستنتاج والاستنطاق، وغيرها من المسائل، لذا كان ديننا دينا غير متحجر، فقد فتح الباب للعقل بعد ان فتح الباب اولا للنقل بحيث يكون هناك ترادف وترابط وتعاطي وترائي فيما بين العقل والنقل لتطويره وفهمه واستنتاجه وغير ذلك، أما ان نستنسخ فهذه هي المسألة التي تشل إدراك الثقافة المحظرية والثقافة التقليدية، لذا أريد أن اوضح، بالأساس، على أن ديننا الحنيف يقف على عتبتين أساسيتين هما النصين القطعيين القرآن والسنة، فحفظهما والاهتمام بهما وتدارسهما أمر مهم بالنسبة لهذه الثقافة العربية الاسلامية الشنقيطية، لكن استيعابهما وفهمهما وفهم الدين والمتون وقراءة هذه المتون قراءة جديدة واستنطاقها واستنتاجها وتفكيكها وتركيبها وإعادة انتاجها وخلقها وابتكارها من جديد مسألة مهمة كذلك، فلكي نفهم هذا الدين في عصره وفي فترته، ولكي نفهم أنه ليس دينا متحجرا يقف عند فترة زمنية معينة وإنما هو دين متطور صالح لكل زمان ولكل مكان فإن علينا ان نحفظ المتون وأن نستظهرها وأن نفهمها، لكن علينا أن نطورها وأن نفهمها فهما عقليا واستدراكيا يتماشى مع العصر.

وهنا تحضرني لفتة بسيطة وهي أن عالمنا المعروف محمد محمود ولد اتلاميد، الذي تحدث عنه طه حسين فقال: هذا الشنقيطي الذي يعتبر بمثابة موسوعة فكرية وعلمية، والذي احتك برواد النهضة العربية وخاصة محمد عبده الذي كان من بين اصدقائه حتى لا اقول تلامذته، كان من اصدقائه العالم الجليل محمد عبده الذي كان رائد النهضة برؤية عصرية واستقلالية وتفهم الدين فهما جديدا لا على اساس أنه تابع بل على أساس أنه دين يبدع.

مقولة محمد عبده المشهورة هي انه جاء الى أوروبا فوجد إسلاما بلا مسلمين بعد أن ترك الشرق مسلمين بلا إسلام، لأن الروح، اللب، الغطاء، الفضاء، والنسق، كل هذه المسائل التي توجد في الدين، وهي من الدين، والتي هي حقيقة هذا الدين أخذها الغرب بالعمل والاهتمام به، في الوفاء بالعهد، في الاهتمام بالنزاهة في المال، في الاهتمام بالوقت والمواعيد... إلى غير ذلك من المسائل. في حين فهم المسلمون، في غالبيتهم حتى لا نعمم، فهموا على أنه يقف عند العبادات ويقف عند الشعائر، في حين ان الدين عبادات، لكن نقول مع الكواكبي في كتابه "طبائع الاستبداد" إن الدين عبادات، ولكن الدين معاملات أيضا، وما دام كذلك فهو دين صالح لكل زمان ومكان، وهو دين قاعدته: اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا، واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا.

فحينما التقى ولد اتلاميد ومحمد عبده أخذ منه محمد عبده والأفغاني كل أطروحات النهضة، العلم والتراث والدين والقرآن والتفاسير والحديث، إلى غير ذلك من المسائل، لكن حينما خرجوا عن النقل إلى العقل وطرحوا سؤالهم: لماذا تأخرنا وتقدم غيرنا، فاعتبر ولد اتلاميد على أن هذه فلسفة وعقلانية وأنه بعيد عنهما، لكن يبقى السؤال المطروح: كيف يمكن أن تتطور امة دون أن تستخدم مداركها العقلية؟، وكيف لنا  أن يتطور علمنا، وخاصة العلم المحظري الذي هو زادنا وموروثنا دون ان نطوره ببعد عقلي ثقافي يتماشي مع  العصر ويفهمه فهما حقيقيا؟، كيف يمكن أن نظل واقفين عند مرحلة الناقة والفرس والثور الوحشي والمفازات؟، هذه مرحلة وهذه ثقافة، لكنها ينبغي أن تطور لكي تكون النبتة ذات جذور، ولكنها مشعة في الآفاق ومتسعة فيها لتمد الآخرين بما عندنا من زاد.

 

وكالة الوئام: هل ستشكل الجائزة حافزا جديدا لاهتمام الباحثين بالتعليم المحظري؟

 

الدكتور محمد ولد الرباني: أكيد ان هذه الجائزة ستشكل حافزا جديدا لحفظ هذه المتون واستظهارها والاهتمام بها، ولكن استحضارها في البعد الثقافي المرحلي الذي نعيش.

نخن عرفنا، نحن ألمعيتنا، نحن شهرتنا جاءت عن طريق هذا التراث وهذه المحظرة وهذه النصوص وهذه الموسوعية، فلنحفظ هذه النصوص والمتون، لكن علينا أن نتفهمها، وهذا هو ما تسعى إلبه هذه الجائزة، وهو أن يكون هذا الحفظ رافدا أولا في مرحلة ثقافية منفتحة ومفتوحة على العالم لكي نوضح أن هذه النصوص ليست جامدة وإنما هي صالحة لكل زمان ومكان.

فمن يرجع للقرآن ويفهمه سيجد فيه: "أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها"، وسيقرأ فيه: "كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولوا الألباب"، فالقرآن يحث على الاهتمام بالعقل والتفكير وإعادة التفكير والفهم، إلى غير ذلك من المسائل.

بحفظنا لهذه النصوص تتكون لدينا معرفة لغوية، ومعرفة دينية، وتراث قوي صلب قادر على مقارعة الثقافة الغربية التي هي ذات مدد وقوة، وأخشى ما يخشاه الغرب اليوم هو هذه الثقافة الاسلامية المنظمة بدرجة كبيرة، والتي تقوم على دين بني على قاعدة معروفة هي البعد الثابت في النصين القطعيين الكتاب والسنة التي تحفز عليها هذه الجائزة، ولكن على نافذة أخرى هي الإجماع والقياس والاجتهاد من أجل أن يتحرك العقل ومن أجل أن يظل هذا الدين صالحا لكل زمان ومكان، وهذه خصوصيته التي تميزه عن باقي الأديان.

الدين منظم بدرجة كبيرة، بجب يجب فيه على الإنسان أن يقدم حضورا أمام ربه خمس مرات في اليوم وجوبا دون النوافل، يجب عليه أن اسبوعيا أن يشهد الجمعة، وسنويا أن يصوم رمضان وأن يزكي ومرة في العمر أن يحج البيت الحرام لمن يستطيع، فهو إذا حاضرا يوميا وأسبوعيا وسنويا، وليس مثل الأديان الأخرى، فهو دين فيه اتصال وليس فيه انفصال، هو دين يتلذذ صاحبه بقراءة القرآن الذي يحفظه وبتجويده، حتى أن الغرب يقول: تظنون أن القرآن هو نص هكذا من النصوص، في حين هو نص يجد فيه القارئ المسلم البعد الروحي والمادي والموسيقاتي.. إلى غير ذلك من الأبعاد.

 

وكالة الوئام: هل يمكن اعتبار الجائزة تعبيرا عن الخلفية المحظرية لرئيس الجمهورية؟ 

 

الدكتور محمد ولد الرباني: ليست تعبيرا فقط عن الخلفية المحظرية للرئيس، وإنما تعتبر بمثابة هذه الدروس والأمور الإيجابية التي نشهدها يوما بعد يوم، والتي تمثل نوعا من الطرح الجديد للأمور، والفهم الجديد لها، وتعاطي الرئيس الإيجابي مع رعيته بعد ان كان القائد في واد والرعية في واد، فقد اصبحنا نرى أن هناك نظام يريد أن يكون حاضرا في الأمور اليومية للمواطن، المادية والثقافية والصحية وفي المجالات الاجتماعية وفي النكبات التي يعيش، الى غير ذلك من المسائل. 

أظن بأن الرئيس فهم ويفهم أنه لن يكون هنالك تطور خلا بالرجوع إلى التراث وفهمه فهما جديدا والاهتمام به. 

ان نفض الفبار عن هذا التراث وعن هذا الدين يجعلنا نقف على أرضية صلبة وثابتة، وانفتاحنا على الآخر والاهتمام بما لديه من إيجابيات يجعلنا إيجابيين، والبلد لا بد أن تكون فيه قيادة وان يكون فيه مقود، لكن قمة الجبل لا تكون في الرأس وإنما تكون القاعدة، فكما يقول المثل الحساني "أيد وحده ما اتصفگ"، فإذا كان هناك انفتاح واهتمام وعدالة وطرح جديد، فلا بد للرعية وللمجتمع من أن يفهم هذه الأطروحات وأن يحاول مواكبتها وأن يسير معها من أجل أن تحصل عملية ترائي، وأن التعاضد فيما بين القمة والقاعدة، إذ لا يمكن لبلد أبدا أن ينهض ويتقدم بيد واحدة، ولا يمكن لبلد ابدا أن يتقدم بقاعدته دون قمته ولا بقمته دون قاعدته. 

 

الوئام الوطني - شكرا لكم  حضرة  الدكتور والباحث والخبير في الترجمة الأستاذ الكبير محمد ولد الرباني على قبول دعوتنا  وعلى ما اتحفتمونا به من أجوبة وردود شافية .طاب يومك  .

أجرى الحوار المصطفى سيديا

أربعاء, 23/09/2020 - 17:06