الاتحاد العام للشاغلين بالمغرب: بلورة نموذج تنموي، لحظة مفصلية في مسار المملكة الحديث

نرى في الاتحاد العام للشغالين بالمغرب أن بلورة نموذج تنموي جديد لبلادنا هو لحظة مفصلية حاسمة في مسار المغرب الحديث باعتباره شرطا تاريخيا أساسيا لتثبيت تعاقد مجتمعي جديد في جميع أبعاده الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية، مشروع قادر على مواكبة دينامية التحولات المجتمعية الكبرى وعلى تقديم أجوبة ملموسة على التحديات الكبرى التي تواجهها بلادنا، في إطار استحضار ثوابت المملكة وقيم و هوية و مقومات الأمة المغربية. 
إننا لا نتصور نموذجا تنمويا ناجحا إذا لم يكن هذا النموذج مؤطرا بمرجعية وطنية، وبهوية مغربية واضحة وفق ما هو منصوص عليه في الدستور، وبالقيم الإسلامية المتمثلة أساسا في الوسطية والاعتدال والتسامح والتعايش والانفتاح على الآخر والتفاعل معه، وإعمال الاجتهاد 
والبعد المقاصدي في قضايا الأمة ومستجدات العصر بما لا يحلل حراما أو يحرم حالال. 
ونعتبر في الاتحاد العام للشغالين بالمغرب أن المدخل السياسي والديمقراطي شرطا وجوديا 
بالنسبة للنموذج التنموي الجديد، إذ لا يمكن تصور نجاح هذا النموذج بدون إقرار إصلاحات 
سياسية حقيقية قادرة على إحداث الصدمة الايجابية في نفوس المواطنين. 
وعلى غرار المصالحة التي قامت بها بلادنا على مستوى حقوق الانسان، ينبغي إطالق 
مصالحة سياسية تقطع مع حالة الاجتهاد والارتباك والهجانة التي يوجد عليها المشهد السياسي ببلادنا، ومع سنوات من الانتهاكات التي تعرضت لها العمليات الانتخابية بالمغرب سواء بفعل تدخل الادارة أو بفعل حيادها السلبي، وكذا بفعل استعمال المال الانتخابي وبعض 
الممارسات المنافية للديمقراطية التي يلجأ إليها الفاعل السياسي. 
إذا كانت الوثيقة الدستورية لسنة 2011 ،قد أقرت الاختيار الديمقراطي كإحدى ثوابت 
المملكة، إلا أن الواقع يبين بوضوح كيف تم الالتفاف على هذا الاختيار من خلال تنزيل 
المقتضيات الدستورية بواسطة القوانين التنظيمية أو المؤسسات، والتي تمت صياغتها 
بهواجس مفرطة في التقليدانية عوض إعمال المقاربات التحديثية، وبالتالي افقدت إلى جوهر  وروح الديمقراطية . 
إن بلادنا أصبحت تعيش أزمة سياسية على جميع المستويات، عنوانها الأبرز فقدان الثقة في 
السياسة وفي المؤسسات السياسية والدستورية والمنتخبة ، والتراجع الواضح لمؤسسات

الوساطة الاجتماعية عن القيام بأدوارها الدستورية بفعل عوامل ذاتية وأخرى موضوعية ، 
وانتقال مركز الفعل السياسي من الفضاء العام التقليدي إلى الفضاء العام الافتراضي .

وأمام تصاعد الخطابات الشعبوية التي وجدت في منصات التواصل الاجتماعي قنوات ناجعة للتعبير عن مواقف سياسية أو الترويج لآراء أو أفكار شعبوية تدغدغ العواطف وينساق معها الناس 
إلى غير ذلك من الظواهر السلبية التي أفرزتها ثورة تكنولوجيا الإعلام والتواصل. 
إن واقعا كهذا يسائلنا جميعا حول المستقبل السياسي لبلادنا في ظل مناخ داخلي وخارجي يفرض علينا متغيرات كثيرة تحتم إعادة صياغة العلاقات بين المؤسسات السياسية والمنتخبة وبين المواطنين . 
لذلك فإننا ندعو إلى القيام بإصلاحات سياسية ومؤسساتية جريئة تكون المدخل الأساسي للنموذج التنموي الجديد ،وذلك عبر إبرام التعاقد السياسي كمكون أساسي للتعاقد المجتمعي. 
وهذا يتطلب إعادة النظر في دور الأحزاب السياسية وفي تمويلها وطرق اشتغالها، ووضع حد لآلة تبخيس العمل الحزبي والنقابي وشيطنته، وإعادة الاعتبار لدور الوساطة الاجتماعية ومراجعة جذرية للمنظومة الانتخابية بما يقوي ويعزز الثقة في المؤسسات، وتفعيل مبدأ ربط 
المسؤولية بالمحاسبة، وإقرار حكامة سياسية بوضع حد للتحالفات الهجينة، وفسح المجال أمام 
مختلف تعبيرات المجتمع للقيام بوظائفها في الترافع والدفاع عن الحقوق الاقتصادية 
والاجتماعية والبيئية. 
ونعتبر أن تثبيت الديمقراطية ببلادنا واحترام حقوق الإنسان بما فيها ضمان الحقوق 
الاقتصادية والاجتماعية والبيئية للمواطنين، والقطع مع حالة التردد والارتكاس، من الشروط 
الأساسية لنجاح النموذج التنموي الجديد، إذ لا نتصور نجاح هذا المشروع في ظل محاولات 
الالتفاف على مخرجات العملية الانتخابية، وصناعة خريطة سياسية مغايرة لتلك التي افرزتها 
صناديق الاقتراع، والاستمرار في التطبيع مع بعض الممارسات المضرة بالديمقراطية 
ببلادنا، أو في ظل استمرار بعض مظاهر الانتهاكات لحقوق الإنسان ومحاكمة حرية الرأي 
والتعبير والحق في التظاهر والتجمهر والحق في العمل النقابي.

لذلك، فإن ديمقراطيتنا الناشئة في حاجة إلى حمايتها وتقويتها وتحصينها من اختراقات قوى 
الردة ، وضمان شروط نجاحها ، ووضع حد لكل الممارسات الماسة بها كيفما كان نوعها ومصدرها . 
إن الديمقراطية الحقة هي صمام الأمان ليس فقط للنموذج التنموي الجديد بل للمشروع 
المجتمعي ككل، وهي الضامنة لاستقرار بلادنا، شرط إفراز مؤسسات قوية ونخب فاعلة 
وقادرة على التأطير والتأثير المجتمعي، والاستماع إلى نبض الشارع والانفتاح على هواجس 
وتطلعات الشباب، ومواجهة مد التفاهة وثقافة الابتدال وتسطيح الوعي

خميس, 02/01/2020 - 19:47