رسالة مستعجلة الى صاحب المعالى وزير الشؤون الإسلامية ........

الحمد لله رب العلمين ، والصلاة والسلام على سيد المرسلين ، ورضي الله عن الصحابة والتابعين ، وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين .
إلى معالي وزير الشؤون الإسلامية والتعليم الأصلي الداه ولد سيدي ولد أعمر طالب
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
وبعد فأكتب إليكم هذه الرسالة بمناسبة تعيينكم وزيرا للشؤون الإسلامية والتعليم الأصلي راجيا أن تكون هذه الرسالة عونا لكم في الحرص على سَنِّ السنن الحسنة في هذه الوزارة ، والقضاء على السنن السيئة فيها .
فعن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” من سن فى الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجرُ من عمل بها بعده من غير أن ينقُص من أجورهم شىءٌ ومن سن فى الإسلام سنةً سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده من غير أن ينقصَ من أوزارهم شىءٌ. ” روه مسلم .
وأن تكون حافزةً لكم على انتهاز فرصة وجودكم في هذا الموقع للفعل والإنجاز ،  فإنما هي مدةٌ محدودةٌ ولو دامت لغيرك ما وصلت إليك
عمر الوزارة أقصر الأعمار
فعلى الوزير أن يستغلها في إنجاز ما يعتبره صالحا رضي من رضي وكره من كره ، فأقصى ما يمكن أن يحصل هو الإقالة وهي واقعة لا محالة ، ولأن تُقال عزيزا كريما نَقيا مُرضِيا لربك خيرٌ لك .
ولا يخفي عليكم أهمية قطاع الشؤون الإسلامية الذي أسندت إليكم مسؤوليته ، فهذا القطاع يكاد يشمل كل شؤون المجتمع ، فالمهمة الحقيقية لهذا القطاع هي :
– تبليغ الدين وتفقيه المجتمع وأسلمة الحياة.
– وحراسة الدين والوقوف في وجه كل من تسوِّل له نفسه المس منه .
من يكده بسيئ كنت منه    كالشجا بين حلقه والوريد
– وغرسُ الإيمان في النفوس هذا الإيمان الذي إذا استقر في النفوس كان الأمن وقَلَّت الجرائمُ ، واطمأنَّ الناس على أموالهم ودمائهم وأعراضهم .
– ورصْدُ حالة التديُّن في المجتمع صعودا وهبوطا .
-ورعاية وتطبيق مبدإ كون الإسلام دين الدولة والمجتمع .
ومع الأسف فإن قطاع الشؤون الإسلامية في أكثر من  بلد من بلاد المسلمين يتوطَّن فيه الفساد ، حتى ليبدو وكأنه أنشئ للصد عن سبيل الله ، والعمل بنقيض ما يدعو إليه الإسلام  ، كأن الشؤون الإسلامية يُراد لها أن توفِّــــــر شهود الزور الذين يوقِّعون على كل تصرفات الحكام ، ويشهدون لها بأنها صواب لا خطأ فيها ، وأنها موافقة لشرع الله ومقاصد الشريعة  (ويقولون هو من عند الله وما هو من عند الله ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون )
تستخدمُ العلماء والأئمة في خدمة الأنظمة لا في خدمة الدين ، وتُحوِّلُــــــهم من أخيار يُقْتدى بهم  إلى متهمين مشكوك فيما يقولون .
هذا الوضع البائس يجب أن تنتقل عنه الشؤون الإسلامية-  وخصوصا في بلادنا- لتكون خادمة للدين محققة لأهدافه ، حارسة لحماه تنفي عنه تحريف الغالين ، وانتحال المبطلين ، وتأويل الجاهلين . وهو أمر يحتاج إلى إرادة وتعاون مجتمعي .قد لا يكون الأمر سهلا ولكن
لأستسهلن الصعب أو أدرك المنى   فما انقادت الآمال إلا لصابر
ومن شواهد النحو
إذا صح عون الخالق المرءَ لم يجد عسيرا من الآمال إلا ميسرا
ومن فضل الله أنَّ الخيِّــــــرين المستعدِّين للتعاون في هذا المجتمع كثيرون وقد قيل  “إنما الإمام كالسُّوق ما نفق فيها حمل إليها، إن نفق الحقُّ عنده حُمِل إليه وجاءه أهله. وإن نَّفق الباطلُ عنده حُمل إليه وجاءه أهله.”
وفي هذه الرسالة أضع بين أيديكم معالم في الطريق وأنبه إلى جوانب مهمة في طريق الإصلاح

من أهم ما يتعلق بالشؤون الإسلامية : المساجد  هذه المساجد  التي قال الله عز وجل فيها (في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه ) والرفع هنا يشمل الرفع المادي بناء وتنظيفا وتطهيرا وتعظيما والرفع المعنوي بإقامة الصلاة فيها وعمارتها بالذكر وتلاوة القرآن ومدارسة العلم وجعلها لله كما أراد الله (وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا)

والمساجد في بلادنا –في كثير من الأحيان – مهملة إهمالا ، لا مرافق للطهارة ، ولا مياه للوضوء ، ولا نظافة ، دع عنك ميسرات  العبادة من المراوح والمكيفات والمسؤولية في ذلك تقع على الجميع ولكن الوزارة في المقدمة

و الاهتمام بأئمة المساجد تعليما وتفقيها وتكوينا ومن أول ما يلزم في ذلك إنشاء (معهد لتكوين الأئمة والخطباء ) وهذا النوع من المعاهد معروف في دول الجوار وفي البلاد الإسلامية . ومن الاهتمام بالأئمة تخصيصُ الرواتب المُجزية  لهم وشكرهم وعرفان الجميل لهم فهم يقومون بمهمة عظيمة وقد كتب الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه   إلى عماله إن أهم أمركم عندى الصلاة فمن حفظها وحافظ عليها حفظ دينه ومن ضيعها فهو لما سواها أضيع.رواه مالك في الموطإ

ألا يعتبر الأئمة بموجب هذه السنة الراشدية متولين لمهمة كان على الولاة والحكام وغيرهم من مسؤولي الدولة أن يتولوها ، ألا يستحقون بذلك الرواتب المجزية ؟
ينبغي الإنفاق بسخاء في هذا المجال بلا مَنّ ولا أذى . إنَّ إغناءَ الأئمة له دورٌ مهم  في إعانتهم على أداء مهماتهم  على الوجه الأكمل وتفريغهم . إن على زير الشؤون الإسلامية أن يجنِّـــــد نفسَه محاميا عن الأئمة .
والاهتمام بالأئمة وتقديرهم واحترامهم يقتضى الابتعاد بهم عن الابتذال في ميادين السياسة وحملات (الدعم والمساندة) المُذِلَّة .

 المحاظر : من أسباب انتشار صيت هذه البلاد في أنحاء المعمورة مؤسسة المحظرة ونظامها الفريدة ودورها المتميز في تخريج العلماء . هذه المحاظر بحاجة إلى رعاية وعناية فطلابها الأنقياء بحاجة إلى رعاية تربوية وصحية ومساكن لائقة  ومطاعم عصرية . وأساتذتها المتطوعون المحتسبون بحاجة إلى دعم مادي وتشجيع معنوي وتعامل محترم  ، وكل ذلك بحاجة إلى إنفاق سخي لا يعرف التقتير يستثمر في (المحظرة ) ولا يعتبر صرف المال في المحظرة (مغرما) .

 المعهد العالي للدراسات والبحوث الإسلامية : أنشئ هذا المعهد ليكون امتدادا للمحظرة وليخرّج القضاة الشرعيين  وأساتذة التربية الإسلامية وغيرهم من المتخصصين  الشرعيين ، وفُتِح المجال فيه أمام العلماء ليحتلوا الصدارة في سلك التدريس وكان من أول من درس فيه الشيخ محمد يحيى ولد الشيخ الحسين ، والشيخ محمد سالم ولد المحبوبي والشيخ الناجي ولد محمود والشيخ محمد سالم ولد عدود رحمهم الله جميعا . وقد فُتِح المجال في هذا المعهد أمام طلاب المحظرة ليدخلوه بمسابقة وكان خريجوه في سنواته الأولى –في أغلبهم-  نماذج علمية متميزة .

كسا حلمه ذا الحلم أثواب سؤدد ورقى نداه ذا الندى في ذرى المجد
وقد ابتُلي المعهد بما ابتُلي به قطاع الشؤون الإسلامية في كثير من بلاد المسلمين وهو بحاجة إلى إصلاح عاجل يتمثل بعضه فيما يلي
-إصلاح تربوي يرفع مستواه ومكانته ويعيده إلى عهده الأول يتخرج منه من يُوثق بعلمه الشرعي ، وكفاءته العلمية ، ومن يصلح لتولي المسؤليات الشرعية ، ويتولى التدريس فيه أهل التميُّز ويُضْــــبَط فيه نظامُ التعاون حتى لايكون التعاون في التدريس مفتوحا أمام كل من هب ودب روى مسلم في  مقدمة صحيحه عن محمد بن سيرين قال إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم.
– إصلاح مالي وإداري يبعده عن دائرة (الفساد) و( التخلف ) و(التلاعب بالنتائج ) و(إسناد الأمر إلى غير أهله ) و( مطل الحقوق)  حدثني أحد الأساتذة الكرام أنه يطالب المعهد بحوالي خمسة عشر مليونا متراكمة . إن الحقوق لا تسقط بمرور السنين .
– اهتمام علمي وتربوي ودعوي ولغوي بضيوف المعهد من الدول الإفريقية.
– إصلاح مدني يظهر المعهد بالمظهر اللائق بمؤسسة تنتسب إلى هذا الدين العظيم نظافةً وتنظيماً ودقةً وفاعليَّةً بحيث ينطبق عليه قول ابن مالك رحمه الله تعالى(كطاهر القلب جميل الظاهر. )
ولا يجوز لوزير الشؤون الإسلامية أن يتعايش مع منكر الفساد والتخلف ساعة من نهار .
 

الأستاذ \ د.محمد الأمين بن الشيخ بن مزيد

 

 

 

 

 

 

 

 

أربعاء, 14/08/2019 - 12:29