أعلام ظلمهم المؤرخون.. العلامة أحمدّو بن البخاري (الحلقة2)

العلامة أحمدّو بن البخاري رحمه الله:

هو شيخ القراء العلامة الفقيه أحمدّو بن محمذن بن البخاري بن المعمَّر بن محم الملقب بوسيدي بن الدّنبجه (يحيى) بن عبد الله الحلي التندغي وأمه ابنة عم أبيه ميمونه بنت أكدبهم الأصغر.

 نشأ ابن البخاري رحمة الله عليه، في محيط معرفي خاص يَعتبر السعي في طلب العلم فريضة عينية على كل أبنائه (ضواحي بتلميت)، ولم يكن الطفل نشازا في قومه من هذه العادة فشب على ما دأب عليه ناشئتهم من انكباب على طلب العلم في جميع مظانه ومن كل أبوابه، ورغم أنه لا تتوفر لدينا تفاصيل ذات بال عن مراحل دراسته الأولى في محاظر قومه وعن شيوخه فيها، لكن يمكن الجزم بأنه بعد أن صال وجال في تلك المحاظر ولى وجهه شطر محظرة أبرز شيوخه في العلم علامة زمانه حرمة بن عبد الجليل العلوي (ت. 1243هـ)، و عنه أخذ علوم قراءة القرآن، ويروى أنه لما قدم عليه طالبا السند، قال له حرمة على سبيل الاستغراب لعلك فارغ الشغل!، فقال له: "وما معنى ذلك؟"، فقال حرمه: لأن هذا العلم ظل عندي كذا وكذا من الزمن ولم أجد من يسألني عنه قبلك. ويقال إن حرمة هو أول من جاء بسند القراءات إلى أرض الـﯖبله، أخذه في شنقيط عن شيخه القارئ المحدث أحمد بن خليفة العلوي الشنقيطي (ت. 1188هـ).

أما في جانب التصوف فقد أخذ الإمام أحمدو بن البخاري الأوراد القادرية البكائية عن شيخ الشيوخ العلامة الشيخ سيديّ الكبير بن المختار بن الهيبة الإنتشائي الأبييري (ت. 1284هـ)، وكانت تجري بينهما المراسلات والمكاتبات والاستشارات.

تصدر العلامة أحمدو للتعليم والفتيا والقضاء والإرشاد، ومن حضرته تخرج كثير من فطاحلة العلماء والقضاة والشيوخ، منهم على سبيل المثال لا الحصر:

 العلامة المصطفى بن أحمد فال (ت. 1285هـ)، والعلامة الكبير الشيخ أحمد بن بدي بن سيدينا (ت. 1322هـ) العلويان، والعلامة القاضي محمذن فال (يحيى) بن أحمدو فال (ت. 1345هـ)، والشيخ بن أشفغ أنحوي التندغيان والعلامة حبيب الله بن الأمين بن الحاج الشقروي (ت. 1270هـ) الذي يقول فيه من قصيدة مطلعها:

 

أنا المتيم لا أصغي لمن عذلا

فليسكت الناس أو فليكثروا الجدلا...

 

إلى أن يقول:

 

وأصحب من الناس إن شئت الإخا رجلا

كابن البخاريِّ قطبا تلفه رجلا

 

سله الكتاب كتاب الله مشكله

سله القريض وقول الخاتم الرسلا

 

والمنطق اسأله أو علم البيان معا

سله التفاصيل طرا واسأل الجملا

 

سله عن النحو سله الفقه سله به

عن الشيوخ وما تحوي يداه سلا

 

من آل "بو سيد" خير الشرق قاطبة

ولست في الغرب بالملفي لهم مثلا

 

أرائع بسلاء عطف رعن

صيد أعفاء غر سادة نبلا

 

بشرى لكم أوجه البشرى وتهنئة

بذا المجن الأجل ادروا به الأسلا

 

أنتم أشد الورى بأسا ومحمية

وأكثر الناس للمسترفدين إلى

 

تولون شانئكم بأساء شاملة

والجارَ والمستضيفَ البشرَ والنزلا

 

مخايل المجد لا تنفك ساكنة

فيكم ومجد البرايا خلب خيلا

 

مجدا خلقتم به لا من تخلقكم

ليس التكحل لا بالمشبه الكحلا

 

يا "أحمد" الخير يا شمس العلوم ويا

صبح القضاء إذا ما الجهل قد شملا

 

وأقرع الناس إن نابته قارعة

وأبذل الناس إما طارق نزلا

 

وأحلم الناس حلما لا يكدره

جهل وأجهلهم إن ظالم جهلا

 

وأعقل الناس عقلا لا تميل به 

أهوى النفوس إذا ما استهوت العقلا

 

وأوسع الناس علما وهو أعملهم

به وأفضل علم ما به عملا...

 

 عمل ابن البخاري لفترة من الزمن قاضيا في إمارة لبراكنة أيام الأمير سيد اعل الثاني بن أحمدو بن سيد اعل الأول (ت. 1312هـ / 1893م). 

ترك ابن البخاري آثارا هامة، من أبرزها:

- نظم في القراءات

- نظم للجزرية 

- نظم في النحو

- وله أنظام متفرقة في مواضيع مختلفة، منها نظمه في رثاء ابن عمه الشيخ الجليل سيد قومه محمد الدنبجه بن محمذن بن المصطفى بن أشفغ الدنبجه (ت. 1270هـ)، الذي يقول في بعضه:

نَعيتَ لي بالسيد المُطيــــعِ *** مُعَينا أتى على الجميع

قضى "بشرعٍ" نحبه فكانا *** تاريخه لموته عنوانـا

يشير بـ "بشرعٍ" إلى تاريخ وفاته بحساب الحروف وهو 1270هـ.

- هذا بالإضافة إلى بعض الرسائل والفتاوى المتفرقة. 

 

توفي ابن البخاري عام موت المشاهير الموافق لسنة 1277هـ وقيل بل توفي قبل ذلك بعام أي عام 1276هـ ودفن في مقبرة "انفني" الواقعة على بعد 40 كلم شمال شرق علب آدرس.

 

 مما رثي به قول الشاعر الهادي بن بدي العلوي (ت. 1319هـ) فيه:

 

مــاهُ خالـﯖ يكــــون الْمـوتْ *** ما باﯖِ يكــــــون البارِ

غير اخلاصْ الّ توجع موت *** أحمــدّو ولْ البُخـــارِ

 

نشهد بيهَ عند الـﯖسّــــــــام *** الَّ زﯖلت ذِ الناس امام

ملجأ للضعــــيف وليتــــــام *** مسند للضعيف الطـار

يتْمَرْمرْ من شوفتْ لحـــرام *** كيف الْمتفرّشْ لِبــــارِ.

 

تغمد الله الشيخ أحمدو بن البخاري بواسع رحمته وجادت على قبره سحائب رضوان الله ومغفرته ورحم موتانا وموتى المسلمين جميعا.

 

أحد, 24/03/2024 - 22:19